الرسالة الغريبة
في سنين الإعدادي، في أحد الأيام لم يحظر أحد الأساتذة في ساعات الصباح، وقررنا أنا وبعض الأصدقاء أن نقوم بجولة ونتمشى قليلا إلى أن تنتهي الساعة لكي نعود لنبدأ الدراسة. في طريقنا لمحت ورقة غريبة موضوعه في نافذة أحد المتازل، وقد شدتني كثيرا لأن أكتشف ما بداخلها، وأنا متجه لها بدأ الأصدقاء يسخرون مني، ويقولون إحذر قد تكون سحرا وعند لمسها تتحول لضفدع، وقد لا نجد لك الأميرة التي تقبلك لتعود إنسانا من جديد....
بعد سيل من السخرية، أخدت الورقة وقد كان يغطيها الغبار، وبدأت أنفضها من الغبار، وقال لي صديق آخر، لا تنتظر أن يخرج العفريت فهو موجود في الخاتم والمصباح فقط....
فتحت الرسالة وبدأت في قرائتها، تحكي قصة وفي نهايتها يقول من كتبها أنك إن نسختها ووزعت عشرة نسخ على الأصدقاء ستصبح غنيا جدا...
كانت أول مرة أجد فيها مثل هذه الرسائل، وفرحت كثيرا، وقلت الحمد لله سأصبح غنيا. وبقيت اليوم كله لا أفكر إلا في الرسالة، بعدما وضعتها في حقيبتي، ذهبتا وانهينا ساعات دراستنا، ثم عدت للبيت وبدأت في كتابة نسخ من الرسالة لكي أوزعها، لم أنهي كل النسخ وقررت تأجيل التوزيع إلى اليوم الموالي. وبقيت طول الليل أكتب في الرسالة إلى أن أنهيت كل النسخ...
في مساء اليوم الموالي بدأت أوزع الأوراق على التلاميذ، أشخاص لا أعرفهم، ولكن كلما وجدت شخصا ينظر إلي كنت أعطيه الورقة....
مرت سنين طويلة جدا، إنتظرت أن أصبح غنيا، ولكني لم أصبح، ومع ذلك فقد أفادتني الرسالة في أمرين، الأول أني تعرفت على فتاة أعجبت كثيرا بجنوني وقتها وبدأت تلاحقني في كل مكان، والأمر الثاني هو أني حسنت خطي قليلا وأصبحت أكتب بشكل أكثر جمالية.
ولكني تعلمت أيضا أن الإصرار على الشيء حتى وإن لم يكن مجديا، سيكون له بعض الإيجابيات...
إضغط هنا يختفي الأستاذ
كان لدينا أحد الأساتذة الذي كنا نكرهه كثيرا، كان شخصا عندما يدخل يأتي معه النكد والكآبة، فقلت في نفسي لابد أن أقوم بشيء جديد لكي نغير هذا الروتين الدراسي، خصوصا أنه كان يدرسنا اللغة العربية. وهي تحتاج تركيز كبير، ونحن نبقى ساعتين في نفس الطريقة المملة التي تجعل أغلبنا ينام...
كان المعلم يضع طاولة أمام الصبورة، لكي يجلس عليها لأنه لايحب الجلوس على مكتبه كثيرا، وقررت أن أكتب له رسالة عندما يقرأها يقوم بتصرف لا إرادي..
بدأت افكر، وخطر في ذهني العديد من الجمل، ولكنها قد تسبب لي المشاكل، ثم فجأة جاء في ذهني جملة رائعة "إضغط هنا يختفي الأستاذ"، قلت أنه عندما يقرأها سوف ينفجر من الضحك أو على الأقل سيضيع دقيقة أو إثنين يسألنا عنها، لكي نستريح قليلا من القصائد والتحليل والكتابة العروضية وكل تلك التفاصيل المملة...
كتبت الجملة قبل دخول الجميع لكي لا يراني أحد، ودخلنا بشكل طبيعي جدا ولم أخبر أحدا بما فعلت. دخل الأستاد كعادته، وبدأ الدرس مباشرة دون أي مقدمات.. مرت بعض الدقائق وغرقنا في الدرس، وبدأنا نتعب مجددا، وبعد نصف ساعة، إنفجر من الضحك، وكانت أول مرة يضحك فيها في الفصل، لم نره يوما يضحك... والكل استغرب ما هذه المعجزة، ثم سألنا من فعل هذا، لم يرد أحد، والكل يستفسر مذا حصل أصلا؟
ثم قال لنا مكتوب هنا "إضغط على الزر يختفي الأستاذ"، من كتبها، لا أحد يرد، وبدأ الكل يضحك من الجملة، وقد كان مبتسما، هذا ما شجعني لكي أصارحه، فوقفت، ولكي أمتص الصدمة بدأت أولا بالإعتذار، ثم قلت له، "متأسف أعرف أنه خطأ، لكنني مثل جميع زملائي نتعب بعد نصف ساعة من الدراسة، ونحتاج بضعة دقائق نرتاح فيها أو نتكلم بها قليلا في الدراسة، وما فعلته هو فقط محاولة لكسب بعض الدقائق لكي نرتاح"
طلب مني أن أتوجه للصبورة، "قلت نفسي هل سيطلب مني شرح الدرس، أم سيسألني أسئلة يجعل الجميع يسخر مني بها"
ثم قال، لكم عشر دقائق كل يوم، خمسة في الساعة الأولى، وخمسة دقائق في الساعة الثانية، وطبعا لديكم فسحة، كما العادة بين الساعتين.
وطلب مني أن أتكلم في أي موضوع مع التلاميذ...
في أول لحظة لم أعرف ماذا سأفعل، خصوصا وأني أعرف أن الكل مرهق، ولكن على عاتقي أن أغير الجو وأخلق بعض المرح، فتوجهت لمكاني وأحضرت مسطرة طويلة، وبدا الجميع يستغرب، ويتسائل ماذا سأفعل، ثم عدت للصبورة، وبدأت أشرح الدرس على شكل نشرة جوية.
"'في بحر الرجز بضعة زخات من تفعيلات "مستفعلن"، التي تعاد تلات مرات، ثم نراها في كل القصيدة، أما في التفعيلة، فلدينا جو ساخن نسبيا مع تنوينة في حركة روي مسكونة قد تتسبب في بعض الألم للشاعر عند وصف الحبيب.... "
كانت أخطر خمس دقائق وبقي الجميع يضحك، ويومها بقي الستاذ طوال الحصة أول ما يقول يقول بحر الرجز يضحك، وبعد مدة كلما بدأنا في تحليل أي قصيدة جديدة أجد الجميع يتذكرون هذه النشرة، والحقيقة كل ما فعلته أني شرحت بأسلوب جديد أما الكلام فهو ذاته ما يقول المعلم.
وقد استمرينا على نفس الوعد طوال السنة، وكنا نأخد قسطا من الراحة وفي كل مرة نتكلم عن شيء جديد أو حتى نقول نكتة أ شيء يريح عقولنا قليلا.
في الإمتحان كانت أول مرة ينجح بها الجميع، أعطانا المعلم القصيدة التي قمت بشرحها على شكل نشرة جوية، وكانت أول مرة يجيب بها الجميع على كل الأسئلة. والكل يحفظ بحر الرجز بسبب بضعة دقائق شرحت فيها الدرس بأسلوب ساخر، ما كان هدفي منه إلا أن نخلق بعض المرح. ولكنه أعطى نتائج قوية جدا... ومن يومها أنا مؤمن ان الضحك وأسلوب الدراسة هو سبب كره أغلب الناس للتعليم.
"من لم يدرس اللغة العربية أريد أن أشرح شيء بسيط، أن القصائد الجاهلية كانت مكتوبة على إيقاعات موحدة، وبعد دراستها من قبل الفراهيدي الذي اكتشف خمسة عشر إيقاعا سميت بالبحور الشعرية، ثم أتى تلميده الأخفش الذي وضع بحرا أخيرا سمي ببحر المتدراك، دراسة القصيدة تتكون من عدة أقسام، تبدأ بالوزن الداخلي والخارجي ثم ننتقل لبعض التفاصيل التي تتعب قليلا لكي نصل لحالة الشاعر وهدفه من القصيدة، كل هذا بالإعتماد على الكلمات التي استخدمها، بحيث نوزعها على حقول دلالية ونبحث عن الحقل الدلالي الطاغي، وايضا رحكة الروي، أو ما يسميه الناس القافية خطئا، لو كان حركة سكون فهذا مختلف تمام عن استخدام حركة ضم أو غيره، لكي نصل في النهاية لتقريب حالة الشاعر ورسالته...... لا اريد الإكتار عليكم فقط لكي يعرف من لا يعرف ان الشر في أغلبه كان مبنيا بشكل محكم ومنظم وهو قائم بذاته وبه أمور كثيرة جدا"
الزجاج
في أحد السنين كنت دخلت فصل للدروس الخصوصية، وكان لدينا باب زجاجي في الفصل، قد لاحظت أن الجميع يدخل مباشرة لأننا كنا دوما نترك الباب مفتوحا.
وقررت أنا وأحد الأصدقاء أن نعمل بعض المقالب في التلاميذ، وجلست أنا في نهاية الصف بجانب الباب بحيث أول ما يفتح أستطيع دفعه للأمام لكي يغلق، وصديقي جلس في في أول الصف لكي يكمل إغلاق الباب.
لم تمر إلا دقائق حتى جاء أول ضحية، وطلب أن يخرج لكي يشرب، أشرت لصديقي وثم الإستعدادـ خرج الصديق، وأقفلنا الباب ثم عاد التلميد الذي خرج مسبقا، وبدانا ننظر إليه وننتظر ماذا سيحدث...
كان مسرعا قليلا لكي لا يفوت الشرح، وفجأة إصطدم بالباب، وبدأ الفصل كله يضحك عليه، ولكن بعد مشاهدة الألم الشديد الذي سببه هذا الإرتطام قررنا عدم تكار الأمر مجددا، ولكن حصل صدفة في بعض المرات، وفي النهاية اقترحت أن نضع ورقة في الزجاج الذي يقفل، لكي يعرف الجميع هل هو مفتوح أم مغلق، ونجح الأمر، ولم يصطدم أحد بالباب من يومها.
النعامة والغبي
لم أكن أتصور أنني سأتعرف على شخص غبي إلا عندما تعرفت على هذا الشخص، كان مريضا، وفي منتصف السنة دخل، وقد طلبت منه المعلمة أن يجلس بجانبي، وطلبت مني أن أساعده في فهم الدروس، وأعطيه كل الدروس القديمة...
بعد مدة قصيرة بدأت أتعرف عليه جيدا، وأصبحنا نمضي كل الوقت مع بعضنا لأشرح له الدروس... في أحد الأيام جرنا الحديث لأن نناقش التفجيرات التي حصلت في أمريكا وسقوط الأبراج، وقال لي أنا لا أصدق ما حصل، كيف يمكن لأمريكا أن يقع بها كل هذا، هم لديهم سوبر مان وبات مان، ونيكيتا ولديهم الكثير من الناس الذي يمكنهم ببساطة منع أي خطر...
وقفت متصمرا مكاني، ومندهشا وغير قادر على إستيعاب الأمر، ظننته يضحك فسألته ماذا تقول، وأعاد نفس الكلام، ثم قلت له هل أنت تعيش معنا أم أنك في عالم آخر؟
أول مرة أعرف أن هناك شخص بعمره يصدق ما يراه...
مر ذلك الموقف، ثم وقفنا أمام باب المدرسة منتظرين الجرس، وقد شاهد شخصا درس معه في سنين ماضية ولم يرد أن يكلمه لأنه شخص مزعج جدا، وقال لا أريد ان يراني، ثم التفت يمينا وشمالا، وأخفى رأسه وبقي جسمه ظاهرا، نظرت إليه وقلت له هكذا لن يراك؟، "يا عم النعامة" كأنك تدفن رأسك في الرمل، هل أنت مجنون، قد رآك وشاهدك وأنت تخفي وجهك، على الأقل إن أردت التخفي إخفي كل جسمك.