إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا ريب أن اللجوء إلى الله تعالى غريزة فطر الله العباد عليها، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، كما أن الدعاء عبادة عظيمة تعد من أجل الطاعات وأفضل القربات، بل عدَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- هو العبادة كما روى ذلك أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- مرفوعاً: ((الدعاء هو العبادة، قال ربكم ادعوني أستجب لكم))([2]).
وقد تظافرت النصوص من الكتاب والسنة في طلبه والثناء على أربابه، وهذا أمر معلوم لكل أحد، إلا أن هذه العبادة الشريفة التي تقرِّب العبد إلى ربه -تبارك وتعالى- قد يشوبها ما يجعلها موجبة لمقت الله -عز وجل- وغضبه، قال الله تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [(55) سورة الأعراف]، فهذه الآية تضمنت الأمر بالدعاء بالوصفين المذكورين أولاً، كما تضمنت ما يدل على النهي وذلك في قوله: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، هذا يدل على النهي عن الاعتداء في الدعاء.
وحقيقة الاعتداء: مجاوزة حدٍ ما، وقيل: تجاوز الحد في كل شيء([3]).
وقد تقاربت أقوال العلماء في بيان معناه هنا -أي المتعلق بالدعاء- وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [(55) سورة الأعراف].
فقال ابن جرير -رحمه الله-: "إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حدَّه لعباده في دعائه وفي غير ذلك من الأمور" أ. هـ([4]).
وقال الطرطوشي: "يعني المجاوزين في الدعاء ما أمروا به" أ.هـ([5]).
وقال القرطبي: "والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر" أ.هـ([6]).
وفي فتح القدير: "أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء، فمن جاوز ما أمره الله به في كل شيء من الأشياء فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولاً أولياً" أ.هـ([7]).
وقال القاسمي: "أي لا يحب دعاء المجاوزين لما أمروا به في كل شيء، ويدخل فيه الاعتداء بترك الأمرين المذكورين، وهما التضرع والإخفاء دخولاً أولياً" أ.هـ([8]).
وقال ابن القيم بعد أن ذكر بعض أنواع الاعتداء في الدعاء: "فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" أ.هـ.([9])
ولما كان هذا الأمر -أعني الاعتداء في الدعاء- يكثر وقوعه رأيت أن الحاجة ماسة للحديث عن هذه الآفة ليحذرها المسلم.
والاعتداء في الدعاء تارةً يكون في الأداء والطريقة، وتارةً يكون في الألفاظ والمعاني.. ويتفرع عن ذلك أمور كثيرة.
وسوف أذكر في هذا المقام عشرين نوعاً من أنواع الاعتداء والتي يدخل تحت كل نوع منها صور كثيرة فأقول:
النوع الأول: أن يشتمل الدعاء على شيء من الشرك: وهذا من أسوأ الاعتداء وأشنعه كما لا يخفى؛ لأن الدعاء عبادة لا يجوز صرفه لغير الله -عز وجل-.
النوع الثاني: أن يطلب نفي ما دل السمع على ثبوته: كأن يدعو لكافر أن لا يعذب أو يخلد في النار، أو يسأل ربه أن لا يبتليه أبداً، أو لا يبعثه، أو أن لا يدخل أحداً من المسلمين النار، أو أن لا تقوم الساعة، ونحو ذلك.
النوع الثالث: أن يطلب ثبوت ما دل السمع على نفيه: كأن يدعو على مؤمن أن يخلده الله في النار، أو يدعو لكافر أن يدخله الله الجنة، أو يدعو لنفسه أو لغيره -غير النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون أول من تنشق عنه الأرض، أو أول من يدخل الجنة.
أو يسأل ربه الخلود إلى يوم القيامة، أو يطلب الاطلاع على الغيب، أو يسأل العصمة من الخطأ والذنوب مطلقاً.
النوع الرابع: أن يطلب نفي ما دل العقل على ثبوته.
النوع الخامس: أن يطلب إثبات ما دل العقل على نفيه: كأن يسأل ربه أن يجعله في مكانين في وقت واحد، كأن يشهد الحج وفي نفس الوقت يكون مرابطاً في الثغور، أو يدعو على عدوه أن يكون غير موجود ولا معدوم، أو غير حي ولا ميت (أعني الحياة والموت حقيقة).
وهذا النوع والذي قبله ذكرتهما تكملة للقسمة في مقام التفسير والتبيين الذي يغتفر فيه ما لا يغتفر في مقام الإجمال، ولا يخفى ما بين العقل والنقل من الموافقة.
النوع السادس: أن يسأل ما هو من قبيل المحال عادة: كأن يطلب ربه أن يرفع عنه لوازم البشرية بأن يستغني عن الطعام والشراب، أو النفَس، أو يطلب الولد ولم يتزوج أو يتسرى، أو يسأل الثمر من غير زرع، أو يدعو ربه أن يعطيه جبلاً من ذهب، أو يمطر عليه السماء ذهباً وفضة، أو يسأل الطيران دون فعل أسبابه العادية المعروفة، أو النصر على الأعداء (وأن يجعلهم الله غنيمة للمسلمين) ولم يعد لذلك العدة، وكأن يسأل النجاح دون دراسة.
النوع السابع: أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه: فهذا من قبيل تحصيل الحاصل، كأن يقول: اللهم لا تهلك هذه الأمة بعامة، ولا تسلط عليها عدواً من سوى أنفسها فيستبيح بيضتها؛ فهذان أمران دعا بهما النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأجيبت دعوته وأخبرنا بذلك، فإن دعوت ذلك كان من قبيل ما ذكرت، والله أعلم.
ومن ذلك أن يدعو ربه أن لا يدخل الكفار الجنة إن ماتوا على كفرهم.
النوع الثامن: طلب ثبوت أمر دل السمع على ثبوته([10]): وهذا مثل الذي قبله، لكن يفرق في صور عدة بين الدعاء لمعين وبين الدعاء العام.
النوع التاسع: أن يعلق الدعاء على المشيئة([11]): قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له"، وذكر تحته حديثين:
الأول: حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولنَّ: اللهم إن شئت فأعطني؛ فإنه لا مُستكره له))([12]).
والثاني: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مستكره له))([13]).
النوع العاشر: الدعاء على من لا يستحقه (أي يظلم في دعائه): أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)) الحديث([14]).
وقد جاء دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: ((رب أعني ولا تُعِن علي -إلى أن قال- وانصرني على من بغى عليَّ..)) الحديث([15]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فقوله: ((وانصرني على من بغى عليَّ)) دعاء عادل لا دعاء معتدٍ؛ يقول: انصرني على عدوي مطلقاً.
ومن الاعتداء قول الأعرابي: "اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً"، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لقد تحجرت واسعاً)) يريد رحمة الله" أ.هـ.([16])
النوع الحادي عشر: طلب تحصيل المحرم شرعاً: كأن يسأل ربه أن ييسر له خمراً يشربها، أو خنزيراً يأكله، أو امرأة يزني بها، أو مالاً يسرقه، أو وقتاً ومالاً ليسافر به إلى بلاد الكفر أو الفسق بلا حاجة معتبرة.
النوع الثاني عشر: رفع الصوت فوق الحاجة([17]): فإذا كان الإنسان يدعو بمفرده، فالأصل في ذلك الإسرار بالمناجاة([18])؛ كما قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [(55) سورة الأعراف].
لكن إذا كان معه من يؤمن على دعائه كالإمام في القنوت أو الاستسقاء فإنه يرفع صوته على قدر الحاجة، ويؤمِّن من خلفه على دعائه دون صياح ورفع زائد على القدر المحتاج إليه؛ لأن ذلك قد يتنافى والأدب مع الله -عز وجل-.
وقد فسر بعض السلف قوله تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [(55) سورة الأعراف] بالذين يرفعون أصواتهم رفعاً زائداً على الحاجة([19]).
قال ابن المنير -رحمه الله-: "وحسبك في تعين الإسرار في الدعاء اقترانه بالتضرع في الآية، فالإخلال به كالإخلال بالضراعة إلى الله في الدعاء، وإن دعاء لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى، فكذلك دعاء لا خفية فيه ولا وقار يصحبه.
وترى كثيراً من أهل زمانك يعتمدون الصراخ والصياح في الدعاء خصوصاً في الجوامع، حتى يعظم اللغط ويشتد، وتستد المسامع وتستك، ويهتز الداعي بالناس، ولا يعلم أنه جمع بين بدعتين: رفع الصوت في الدعاء، وفي المسجد.
وربما حصلت للعوام رقة لا تحصل مع خفض الصوت ورعاية سمت الوقار، وسلوك السنة الثابتة بالآثار، وما هي إلا رقة شبيهة بالرقة العارضة للنساء أو الأطفال، ليست خارجة عن صميم الفؤاد؛ لأنها لو كانت من أصل لكانت عند اتباع السنة في الدعاء، وفي خفض الصوت به أوفر وأوفى وأزكى، فما أكثر التباس الباطل بالحق على عقول كثير من الخلق" أ.هـ([20]).
فائدة: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -رحمهما الله- فوائد كثيرة تتعلق بخفض الصوت والإسرار بالدعاء. [انظر الفتاوى 15/15-19 بدائع الفوائد 3/6-10].
النوع الثالث عشر: أن يدعو ربه دعاءً غير متضرع، بل دعاء مدلّ، كالمستغني بما عنده أو المدلُّ على ربه به([21]).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد" أ.هـ([22]).
النوع الرابع عشر: أن يسمي الله بغير أسمائه، ويثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولم يأذن فيه: وهذا ظاهر لا يخفى.
النوع الخامس عشر: أن يسأل ما لا يصلح له: مثل أن يسأل منازل الأنبياء، أو أن يكون ملكاً لا يحتاج إلى طعام ولا شراب، أو أن يعطى خزائن الأرض، أو يكشف له عن الغيب، أو غير ذلك مما هو من خصائص الربوبية أو النبوة.
النوع السادس عشر: تكثير الكلام الذي لا حاجة له، والتطويل في تشقيق العبارات والتكلف في ذكر التفاصيل: كأن يدعو ربه أن يرحمه إذا وضع في اللحد تحت التراب والثرى، وبين الصديد والدود، وأن يرحمه إذا سالت العيون وبليت اللحوم، وأن يرحمه إذا تولى الأصحاب، وقُسم ماله وترك دنياه، أو يدعو على عدوه أن يخرس الله لسانه، ويشل يده، ويجمد الدم في عروقه، وأن يسلب عقله فيكون مع المجانين... إلخ.
أخرج أبو داود وغيره عن أبي نعامة عن ابن سعد (ابن أبي وقاص) أنه قال: "سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، وكذا وكذا، فقال: يا بني إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سيكون قومٌ يعتدون في الدعاء))، فإياك أن تكون منهم، إن أعطيت الجنة أعطيتها بما فيها، وإن أُعذت من النار أُعذت منها وما فيها من الشر"([23]).
وأخرج أيضاً عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: "اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بُني، سل الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنه سيكون في هذه الأمة قومٌ يعتدون في الطهور والدعاء))([24]).
ولا شك أن هذا مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يتخير من الدعاء أجمعه.
أخرج أبو داود من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدعُ ما سوى ذلك"([25]).
وأخرج أيضاً عن قتادة -رحمه الله- أنه سأل أنساً -رضي الله عنه-: "أي دعوة كان يدعو بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر؟"، قال: كان أكثر دعوة يدعو بها: ((اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار))([26]).
وجاء عند البخاري من حديث أنس: "كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار))([27]).
النوع السابع عشر: أن يتقصد السجع في الدعاء ويتكلفه: قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه: "باب ما يكره من السجع في الدعاء"، ثم ذكر أثراً عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "حدَّث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب"([28]).
قال الحافظ: "ولا يَرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة؛ لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه، ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد: ((اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب)).
وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق وعده، وأعز جنده)) الحديث.
وكقوله: ((أعوذ بك من عين لا تدمع، ونفس لا تشبع، وقلب لا يخشع)) وكلها صحيحة.
قال الغزالي: "المكروه من السجع هو المتكلف؛ لأنه لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة" أ.هـ([29]).
قال الطرطوشي -رحمه الله-: "اعلموا أرشدكم الله أني رأيت كثيراً من الناس يقصدون في الدعاء السجع، وازدواج الألفاظ، ويذهبون مذاهب الفصاحة والبراعة والتنطع والفخامة، فيكون الدعاء مسجوعاً موزوناً يضاهي مكاتبات أهل الدنيا التي يُقصد بها المباهاة بين الأقران، والمبادرة بين النظراء والكتاب، وهذا منهي عنه في الدعاء -إلى أن قال-: "واعلموا أن مقام الداعي مقام تذلل وخشوع وبكاء، وتضرع وإظهار فاقة وحاجة، والسجع تكلف وتصنع واشتغال الخواطر بازدواج الألفاظ وإقامة الأوزان ينافي مقام الخشوع".
ثم ذكر كلاماً قال بعده: "وقد تتبعت دعوات الأنبياء والمرسلين والمصطفين من عباده المنتخبين، واستخرجت ما وجدت في القرآن من ذلك فوجدت جميعها: (ربَّنا، ربَّنا) أو (ربِّ)" أ.هـ. ثم أورد جملة من الأدعية الواردة في القرآن ليدلل على ما ذكر([30]).
النوع الثامن عشر: قصد التشهق([31]): كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بحيث لا يكون ذلك بسبب غلبة البكاء وإنما هو أمرٌ يتعمده ويطلبه.
النوع التاسع عشر: أن يتخذ دعاء من غير الوارد في الكتاب والسنة بحيث يصير ذلك شعاراً له يداوم عليه([32]): كمن يخصص دعاءً معيناً يقوله عند ختم القرآن أو غير ذلك.
النوع العشرون: التغني والتلحين والتمطيط قال المناوي: "قال الكمال ابن الهمام: "ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح، والاشتغال بتحريرات النغم إظهاراً للصناعة النغمية، لا إقامة للعبودية، فإنه لا يقتضي الإجابة، بل هو من مقتضيات الرد، وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به، فكأنه قال: اعجبوا من حسن صوتي وتحريري، ولا أرى تحرير النغم في الدعاء كما يفعله القراء في هذا الزمان، يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال، وما ذاك إلا نوع من السخرية، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك، أدى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض، والرفع، والتطريب، والترجيع كالتغني، نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب؛ إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التغني، فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان" أ.هـ([33]).
هذا ما تيسر انتقاؤه من كتب أهل العلم، أسأل الله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] - في هذا الموضوع راجع: مسائل الإمام أحمد بن حنبل (رواية صالح) 1/171 الفروع 1/458، الفتاوى 10/713/714، الفروق للقرافي 4/259-265، تفسير القرطبي، والقاسمي، والمنار للآية رقم 55 من سورة الأعراف، الدعاء للطرطوشي ص154-155، تلخيص الاستغاثة ص93-95، بدائع الفوائد 3/12-14.
[2] - أبو داود رقم 1479، وانظر صحيح أبي داود رقم 1312.
[3] - انظر الكليات للكنوي ص 150.
[4] - تفسير الطبري 8/207.
[5] - الدعاء للطرطوشي ص154.
[6] - تفسير القرطبي 7/226.
[7] - فتح القدير 2/213.
[8] - القاسمي 7/150.
[9] - بدائع الفوائد 3/13.
[10] - ولا يشكل على ذلك بعض ما يشرع لنا طلبه، كالوسيلة لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فإن هذا الأمر قد تعبدنا الله به.
[11] - انظر كتاب الدعاء للطرطوشي ص48.
[12] - البخاري رقم 6338.
[13] - البخاري رقم 6339.
[14] - البخاري 11/119، ومسلم 2735.
[15] - أحمد 1/227، أبو داود 1510، 1511، صحيح أبي داود 1330، والترمذي 2/277، وابن ماجه 3830.
[16] - تلخيص الاستغاثة 94.
[17] - انظر كتاب الدعاء للطرطوشي ص 50، 152-155 الآداب الشرعية 2/272.
[18] - الفتاوى 22/468-469.
[19] - انظر: ابن جرير 8/207، الدعاء للطرطوشي 154، بدائع الفوائد 3/13، القاسمي 7/150.
[20] - الاتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال (ديل على الكشاف 2/66).
[21] - انظر كتاب الدعاء للطرطوشي ص57.
[22] - بدائع الفوائد 3/13.
[23] - أبو داود رقم 1480، صحيح أبي داود رقم 1313.
"أبي مجترئ وممت، انظر اللسان (11/248) مادة "دلل".
[24] - أبو داود رقم 69، صحيح أبي داود رقم 87.
[25] - أبو داود رقم 1482، صحيح أبي داود رقم 1315.
[26] - أبو داود رقم 1519، صحيح أبي داود رقم 1344.
[27] - البخاري 6389.
[28] - البخاري 6337.
[29] - الفتح 11/139.
[30] - الدعاء للطرطوشي 146/151.
[31] - الفتاوى 10/714.
[32] - انظر الفتاوى 22/511.
[33] - فيض القدير 1/299.