كلمات للأديب مصطفى لطفى المنفلوطى
قال - رحمه الله - :
((بين الإغراق في المدح, والإغراق في الذم تموت الحقيقة موتاً لا حياة لها من بعده إلى يوم يبعثون))
--------------------------------------------------------------------------------
قال المنفلوطي في مقال " عبرة الهجرة " : ص 133
((لا حاجة لنا بتاريخ حياة فلاسفة اليونان، وحكماء الرومان، وعلماء الإفرنج، فلدينا في تاريخنا حياة شريفة مملوءة بالجد والعمل والصبر والثبات والحب والرحمة والحكمة والسياسة والشرف الحقيقي والإنسانية الكاملة وهي حياة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وحسبنا بها وكفى )) ص133
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وفي مقال "المدنية الغربية" كتب متحسِّرا :
((إن عارا على التاريخ المصري أن يعرف المسلم الشرقي في مصر من تاريخ بونابرت ما لا يعرف من تاريخ عمرو بن العاص، ويحفظ من تاريخ الجمهورية الفرنسية، ما لا يحفظ من تاريخ الرسالة المحمدية، ومن مبادئ ديكارت وأبحاث درون ما لا يحفظ من حكم الغزالي وأبحاث ابن رشد، ويروى من الشعر لشكسبير وهوجو ما لا يروى للمتنبي والمعري.))
ثم أردف يقول :
((وبعدُ : فليعلم كتابُ هذه الأمة وقادتها أنه ليس في عادات الغربيين وأخلاقهم الشخصية الخاصة بهم ما نحسدهم عليه كثيرا، فلا يخدعوا أمتهم عن نفسها ولا يفسدوا عليها دينها وشرقيتها ولا يزينوا لها هذه المدنية الغربية تزيينا يرزؤها في استقلالها النفسي، بعد ما رزأتها السياسة في استقلالها الشخصي )) ص140 .
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
((كثيرا ما يخطئ الناس في التفريق بين التواضع وصغر النفس، وبين الكبر وعلو الهمة، فيحسبون المتذلل المتملق الدنيء متواضعا، ويسمون الرجل إذا ترفع بنفسه عن الدنايا وعرف حقيقة منزلته من المجتمع الإنساني متكبرا، وما التواضع إلا الأدب، ولا الكبر إلا سوء الأدب، فالرجل الذي يلقاك متبسما متهللا، ويقبل عليك بوجهه ويصغي إليك إذا حدثته، ويزورك مهنئا ومعزيا، ليس صغير النفس كما يظنون، بل هو عظيمها؛ لأنه وجد التواضع أليق بعظمة نفسه فتواضع، والأدب أرفع لشأنه فتأدب.
فتى كان عذب الروح لا من غضاضة ... ولكن كبرا أن يقال به كبر )) ص239
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
ويوصي طالب العلم بهذه الوصية :
(( يا طالب العلم أنت لا تحتاج في بلوغك الغاية التي بلغها النابغون من قبلك إلى خلق غير خلقك، وجو غير جوك، وسماء وأرض غير سمائك وأرضك، وعقل وأداة غير عقلك وأداتك، ولكنك في حاجة إلى نفس عالية كنفوسهم، وهمة عالية كهممهم، وأمل أوسع من رقعة الأرض وأرحب من صدر الحليم، ولا يقعدن بك عن ذلك ما يهمس به حاسدوك في خلواتهم من وصفك بالوقاحة أو بالسماجة، فنعم الخلق هي إن كانت السبيل إلى بلوغ الغاية، فامض على وجهك ودعهم في غيهم يعمهون.)) ص240
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وللمنفلوطي اهتمام كبير بشأن المرأة حتى قال :
((يا أيها المحسنون، والله لا أعرف لكم بابا في الإحسان تنفذون منه إلى عفو الله ورحمته أوسع من باب الإحسان إلى المرأة.
افتحوا لها المكاتب، وابنوا لها المدارس, وعلموها من العلم ما يرفع همتها، ويرقي آدابها، ومن الصناعة ما يناسب قوتها, وما يشبع جوعتها، إن نبا بها دهر، أو تجهم لها حظ.
علموها لتجعلوا منها مدرسة يتعلم فيها أولادكم قبل المدرسة، وأدبوها ليتربى في حجرها المستقبل العظيم، للوطن الكريم )) ص247
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وعن المعركة الدائمة بين الحق والباطل يقول :
((لا يستطيع الباطل أن يصرع الحق في ميدان؛ لأن الحق وجود والباطل عدم، وإنما يصرعه جهل العلماء بقوته، ويأسهم من غلبته، وإغفالهم النداء به، والدعاء إليه. )) ص297 .
ثم يقول :
((الدعاة في هذه الأمة كثيرون ملء الفضاء، وكظة 1 الأرض والسماء، ولكن لا يكاد يوجد بينهم داع واحد ؛ لأنه لا يوجد بينهم شجاع واحد )) ص298 1- الكظة : البطنة
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وللنفلوطي بعض الآراء العجيبة مثل قوله :
((لقد جهل الذين قالوا: إن الكتاب يعرف بعنوانه، فإني لم أر بين كتب التاريخ أكذب من كتاب "بدائع الزهور" ولا أعذب من عنوانه، ولا بين كتب الأدب أسخف من كتاب "جواهر الأدب" ولا أرق من اسمه، كما لم أر بين الشعراء أعذب اسما وأحط شعرا من "ابن مليك" و"ابن النبيه" و"الشاب الظريف" )) ص320
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
((لا مجد إلا مجد العلم، ولا شرف إلا شرف التقوى، ولا عظمة إلا عظمة الآخذين بيد الإنسانية البائسة رحمة بها, وحنانا عليها.
أولئك هم الأمجاد، وأولئك الذين يفخر الفاخرون بالاتصال بهم والانتماء إليهم، وأولئك هم المفلحون.))ص322
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وفي مقال عن "الغناء العربي" كتب :
((الغناء بقية خواطر النفس التي عجز عن إبرازها اللسان، فأبرزتها الألحان )) ص343
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
ثنائية "الحاسد والمحسود" يقول عنها المنفلوطي :
(( لو عرف المحسود ما للحاسد عنده من يد وما أسدى إليه من نعمة لأنزله من نفسه منزلة الأوفياء المخلصين، ولوقف بين يديه تلك الوقفة التي يقفها الشاكرون بين أيدي المحسنين.
لا يزال صاحب النعمة ضالا عن نعمته لا يعرف لها شأنا، ولا يقيم لها وزنا، حتى يدله الحاسد عليها بنكرانها، ويرشده إليها بتزييفها والغض منها، فهو الصديق في ثياب العدو والمحسن في صورة المسيء )) ص361
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
ومن فلسفته :
((لا أستطيع أن أعتقد ما يسمونه الجنون الفرعي ويريدون منه جواز أن يكون الإنسان مجنونا في بعض شئونه عاقلا في باقيها، وعندي أن الرجل إما أن يكون عاقلا أو مجنونا ولا ثالث لهما.)) ص371
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وفي مقال " المقامر " يبيّن العجب من حال هذا الجشع :
((إن كنت لم تسمع في حياتك باجتماع النقيضين وتلاقي الضدين, فاعلم أن المقامر في آن واحد أجشع الناس وأزهد الناس، فلولا حبه المال لما هان عليه أن يبذل راحته وشرفه وحياته في سبيله، ولولا زهده فيه لما أقدم باختياره على تبديده على مائدة القمار لا لغاية يطلبها, ولا لمأرب يسعى إليه. )) ص373
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
من المقالات الرائعة الجميلة المبينة مقال للمنفلوطي بعنوان "خطبة الحرب " موجه إلى المجاهدين في ليبيا ... وفيه يقول المنفلوطي حاثَّا على الإقدام والشجاعة : (ص428 )
((المستميت لا يموت والمستقتِلُ لا يُقتل, ومن يهلك في الإدبار أكثر ممن يهلك في الإقدام, فإن كنتم لا بد تطلبون الحياة فانتزعوها من بين ماضغي الموت ))
ثم تابع قائلاً :
((إن كتّاب التاريخ قد علقوا أقلامهم بين أناملهم, ووضعوا صحائفهم بين أيديهم, وانتظروا ماذا تملون عليهم من حسنات أو سيئات, فأملوا عليهم من أعمالكم ما يترك في نفوسهم مثل ذلك الأثر الذي تجدونه في نفوسكم عندما تقرءون تلك الصحائف البيضاء التي سجلها التاريخ لأولئك الأبطال العظماء.
موتوا اليوم أعزاء قبل أن تموتوا غدا أذلاء.
موتوا قبل أن تطلبوا الموت فيعوزكم, وتنشدوه فيعجزكم.
موتوا اليوم شهداء في ساحة الحرب تكفنكم ثيابكم, وتغسلكم دماؤكم, وتصل عليكم ملائكة الرحمن قبل أن يسبق قضاء الله فيكم, فيموت أحدكم فلا يجد بجانبه مسلما يصلي عليه صلاة الجنازة, ثم يرافق نعشه إلى قبره حتى يودعه حفرته, ويخلي بينه وبين ربه.
إن الشيخين أبا بكر وعمر والفارسين خالدا وعليا والأسدين حمزة والزبير والفاتحين سعدا وأبا عبيدة والمهاجرين طارق بن زياد وعقبة بن نافع وجميع حماة الإسلام وذادته السابقين الأولين, المجاهدين الصابرين, يشرفون عليكم اليوم من علياء السماء؛ لينظروا ماذا تصنعون بميراثهم الذي تركوه في أيديكم, فامضوا لسبيلكم واهتكوا بأسيافكم حجاب الموت القائم بينكم وبينهم, وقولوا لهم: إنا بكم لاحقون، وإنا على آثاركم لمهتدون.
إن هذا اليوم له ما بعده, فلا تسلموا أعناقكم إلى أعدائكم؛ فإنكم إن فعلتم لن يعبد الله بعد اليوم على ظهر الأرض أبدا ))
وقبل ذلك يقول -رحمه الله -
( احفروا لأنفسكم بسيوفكم قبورا, فالقبر الذي يحفر بالسيف لا يكون حفرة من حفر النار.
لا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين، ولا الواسطة بين الطرفين، ولا العيش الذي هو بالموت أشبه منه بالحياة, بل اطلبوا إما الحياة أبدا وإما الموت أبدا ))
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
يقول المنفلوطي :
((لا أريد أن أقول: إن الغنى علة فساد الأخلاق، وأن الفقر علة صلاحها، ولكن الذي أستطيع أن أقوله عن تجربة واستقراء: إني رأيت كثيرًا من أبناء ناجحين، ولم أر إلاّ قليلًا من أبناء الأغنياء عاملين.
إن العلوم والمعارف والمُخترعات والمُكتشفات، والمدنية الحديثة بأجمعها حسنة من حسنات الفقر، وثمرة من ثمراته، وما المداد الذي كتبت به المُصنفات ودونت به الآثاء إلا دموع البؤس والفاقة، وما الآراء السامية والأفكار الناضجة التي رفعت شأن المدنية الحديثة إلى مستواها الحاضر إلا أبخرة الأدمغة المُحترفة بنيران الهموم والأحزان، وما انفجرت ينابيع الخيالات الشعرية ، والتصورات الفنية ، إلا من صدوع القلوب الكبيرة، والأفئدة الحزينة، وما أشرقت شموس الذكاء والعقل في مشارق الأرض ومغاربها إلاّ من ظُلمات إلا كواخ الحقيرة والزوايا المهجورة، وما نبغ النابغون من فلاسفة وعلماء وحكماء وأدباء إلاَّ في مهود الفقر وحجور الإملاق، ولولا الفقر ما كان الغني، ولولا الشقاء ما وجدت السعادة )) ا.هـ
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
قال المنفلوطي - بعد أن قص قصة امرأة وجدها الشُرَطُ ميتة بسبب الجوع - : (530)
((فما أعظم جريمة الأمة التي لا يموت فيها جوعًا غير شرفائها وأعفائها ))
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وفي مقال (اللفظ والمعنى ) وهذه الثنائية المشكلة على بعض الناس ، يقول المنفلوطي : (ص602)
((لا يضطرب اللفظ إلا لأن معناه مضطرب في نفس صاحبه، ولا يغمض إلا لأن معناه غامض في نفسه، ومحال أن يعجز الفاهم عن الإفهام، ولا المتأثر عن التأثير، ولا المقتنع عن الإقناع، وما البيان إلا المرآة التي ترتسم فيها صورة النفس، فحيث تكون النفس جميلة فهو جميل، أو قبيحة فهو قبيح، أو مضيئة فهو مضيء، أو مظلمة فهو مظلم، فإذا استطعنا أن نتصور مرآة تكذب في تمثيل الصورة الماثلة أمامها، استطعنا أن نتصور بيانا يختلف في وصفه عن وصف نفس صاحبه.))
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وفي مقالٍ عن"الضمير " يقول المنفلوطي : (ص620 )
(( أتدري ما هو الخُلُق عندي ؟
هو شعور المرء أنه مسؤول أمام ضميره عما يجب أن يفعل .
لذلك لا أسمي الكريم كريما حتى تستوي عنده صدقة السر وصدقة العلانية ، ولا العفيف عفيفا حتى يعف في حالة الأمن كما يعف في حالة الخوف ، ولا الصادق صادقا حتى يصدق في أفعاله كما يصدق في أقواله ، ولا الرحيم رحيما حتى يبكي قلبه قبل أن تبكي عيناه ، ولا المتواضع متواضعا حتى يكون رأيه في نفسه أقل من رأي الناس فيه . ))
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
وفي كلمة له عن "الاعتدال " يقول - رحمه الله - :
(( الاعتدال:
بين الجبن والتهور منزلة هي الشجاعة والإقدام، وبين البخل والإسراف منزلة هي الكرم، وبين العفو والانتقام منزلة هي العقوبة، وبين العجز والجهل منزلة هي الحكمة، فليكن من أفضل ما تأخذ به نفسك التريث والتثبت عند النظر في الفرق بين مشتبه الفضائل والرذائل، واعلم أنك لا تزال كريما حتى تنفق مالك في غير موضعه فإذا أنت مسرف، وأنك لا تزال حليما حتى تغضب للباطل فإذا أنت جهول، وأنك لا تزال جبانا حتى تقاتل عن عرضك وشرفك فإذا أنت شجاع، وأن كل الناس يعرفون الفضائل والرذائل ويفهمون معانيها، أما إدراك الفروق بين مشتبهاتها ونظائرها فتلك رتبة العقلاء الأذكياء )) ص 680
وفي كلمة أخرى له عن " الشقاء " قال : (ص682 )
(( الشقاء:
السبب في شقاء الإنسان أنه دائما يزهد في سعادة يومه ويلهو عنها بما يتطلع إليه من سعادة غده، فإذا جاء غده اعتقد أن أمسه كان خيرا من يومه، فهو لا ينفك شقيا في حاضره وماضيه.))
__________________
-----------------------------------------------------