اسمه ونسبه: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، وينتهي نسبه
الشريف الى النبي ابراهيم (عليه السلام).
أمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب…
كنيته: أبوالقاسم، وأبو ابراهيم.
القابه: المصطفى، وله أسماء وردت في القرآن الكريم مثل: خاتم النبيين، والأمّي، والمزمل، والمدثر،
والنذير، والمبين، والكريم، والنور، والنعمة، والرحمة، والعبد، والرؤوف، والرحيم، والشاهد، والمبشر، والنذير، والداعي، وغيرها.
نبذة عن حياة النبي محمد (ص): ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين 17 وقيل 12 من شهر ربيع الأول عام الفيل بمكة، وقد مات أبوه وهو في بطن أمه، وتوفيت أمه وعمره ست سنين فكفله جده عبدالمطلب ولما بلغ عمره ثمان سنين توفى جده فكفله عمه أبو طالب وأحسن كفالته، وكان لا يفارقه ليلا ولا نهارا، وصحبه في أسفاره إلى الشام للتجارة، ولما بلغ الأربعين سنة من عمره الشريف نزل عليه الوحي بالنبوة وكان في غار حراء، وأول آية نزلت عليه: (إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق). فأخبر خديجة فصدقت به، وأخبر علي بن أبي طالب (ع) فصدق به، وأخذ في نشر دعوته سرا، ثم أعلنها فأسلم جماعة من العرب فعذبتهم قريش وهاجر إلى المدينة بعد أن أسلم جماعة من أهلها، وأخذ في نشر الدعوة وحاربته قريش والعرب فانتصر عليهم وفتح مكة. وبعد أن أكمل نشر دعوته وانتشر الإسلام في جزيرة العرب توفاه الله تعالى.
وقد عاش (ص) ثلاثا وستين سنة، أربعين منها قبل أن يبعث بالرسالة، وثلاثا وعشرين سنة نبيا رسولا
قضى منها (13) سنة في مكة و (10) سنين في المدينة.
أخلاقه (ص): إمتاز النبي محمد (ص) بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة. فقد كان بعيدا عن كل ما
يشين سمعته سواء في أقواله أو أفعاله، متواضعا عفيفا صادقا أمينا حتى لقبته قريش بالصادق الأمين.
وكان (ص) حليما كريما سخيا شجاعا أوفى العرب ذمة، صبورا على المكاره والأذى في سبيل نشر دعوته. وكان لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها، سفيقا لأصحابه كثير التردد إليهم، يقبل معذرة من اعتذر إليه، يحب الفقراء والمساكين ويأكل معهم، قليل الأكل، يختار الجوع على الشبع مواساة للفقراء. وكان (ص) يجلس على التراب ويرقع ثوبه ويخصف نعله بيده الكريمة.وكان لا يجلس ولا يقوم إلا ذكر الله تعالى. وقد مدحه الله جل جلاله بقوله تعالى
وإنك لعلى خلق عظيم). صدق الله العلي العظيم.
كيفية الصلاة عليه (ص): قال النبي (ص): (( لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قيل ما البتراء يا رسول الله؟ قال : أن تصلوا علي ولا تذكروا آلي))... فيجب على كل مسلم إذا ذكره (ص) أن يقول
(صلى الله عليه وآله وسلم). وإذا أراد الصلاة عليه (ص) أن يقول (اللهم صلي على محمد وآل محمد)).
من حكمه (صلى الله عليه وآله وسلم):
1- رضى الرب في رضى الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين.
2- سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه.
3- الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صِلْ من وصلني واقطع من قطعني.
4- التاجر الأمين الصدوق مع الشهداء يوم القيامة.
5- حسنوا لباسكم وأصلحوا رحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس.
6- إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه فليجلسه معه، فإن لم يجلس معه فليناوله أكلة أو أكلتين.
7- إتقوا الله في الضعيفين، المرأة الأرملة والصبي اليتيم.
8- إتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنها ليس دونها حجاب.
9- من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله.
10- من لا يَرْحم لا يُرْحَمْ.
11- الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
12- لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن عهْدَ له.
13- قل الحق ولو على نفسك؟
14- إياك وقرين السوء فإنك به تُعْرَفْ.
15- من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فقد كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته.
مبعثه: بعث بمكة في 27 رجب بعد أن بلغ عمره الشريف أربعون سنة.
تعاليمه: جاء (ص) بالمساواة بين جمع الخلق، وبالاخوّة، والعفو العام عمّن دخل في الاسلام، ثم سنّ شريعةً باهرةً وقانوناً عادلاً تلقاه عن الله عزّوجلّ ثم تلقاه المسلمون منه.
معجزاته: كثيرة ولا يسع المجال لذكرها جميعا ولكن نذكر أعظمها:
الأولى: القرآن الكريم الذي عجزت قريش والعرب جميعا عن معارضته والإتيان بمثله.
الثانية: وضعه الشريعة الإسلامية المطابقة للحكمة والموافقة لكل عصر وزمان مع كونه أميا لا يقرأ
ولا يكتب وقد نشأ بين قوم أميين.
ولا بأس بذكر بعض من معجزاته الأخرى كنبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير من قليل الزاد، ومجئ الشجر، وحنين الجذع، وإخباره بالمغيبات.
أما المغيبات التي أخبر عنها فهي كالتالي:
أخبر النبي صلى الله عليه وآله بحوادث كثيرة وقعت بعد وفاته، منها قوله (ص) لعلي عليه السلام،
"أنت تقاتل بعدي الناكثين(وهم أهل الجمل بالبصرة)، والقاسطين (وهم معاوية وأهل الشام في صفين)،
والمارقين (وهم الخوارج بالنهروان). وإن قاتِلُك إبن ملجم. وإخباره بسم الإمام الحسن (ع) وقتل الإمام
الحسين (ع) بكربلاء. وقوله (ص) ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار،
فقُتِلَ عمار في معركة صفين. وقوله (ص) لفاطمة عليها السلام: "أنت أول أهل بيتي لحاقا بي".
وإخباره بظهور الدولة الأموية وظهور دولة بني العباس.
دعوته: دعا الناس في مكة الى التوحيد سراً مدة ثلاث سنين، و دعاهم علناً مدة عشر سنين.
هجرته: هاجر من مكة الى المدينة المنورة في بداية شهر ربيع الاول بعد مرور 13 عاماً من مبعثه،
وذلك لشدة اذى المشركين له ولأصحابه.
حروبه وغزواته: أذن الله عزوجلّ للرسول (ص) بقتال المشركين والكفار والمنافقين، فخاض معهم معارك كثيرة نذكر هنا ابرزها: بدر ـ أحد ـ الخندق (الاحزاب) ـ خيبر ـ حنين.
زوجاته: خديجة بنت خويلد (رضوان الله عليها)، وهي الزوجة الأولى؛ أما الأخريات فهن: سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، وغزية بنت دودان (ام شريك)، وحفصة بنت عمر، ورملة بنت أبي سفيان (أم حبيبة)، وأم سلمة بنت أبي أميّة، وزينب بنت جحش، وزينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حييّ بن أخطب.
أولاده: وهم: 1 ـ عبدالله. 2 ـ القاسم. 3 ـ ابراهيم (عليهم السلام). 4 ـ فاطمة (عليها السلام).
وقيل: زينب ورقية وام كلثوم.
اعمامه: له تسعة اعمام، وهم أبناء عبدالمطلب: الحارث ـ الزبير ـ أبو طالب ـ حمزة ـ الغيداق
ـ ضرار المقوّم ـ أبو لهب ـ العباس.
عماته: وله عمات ست من أمهات شتى وهنّ: أميمة ـ أم حكيمة ـ برّة ـ عاتكة ـ صفيّة ـ أروى.
أوصياؤه: اثنا عشر وصياً، وهم: 1 ـ أميرالمؤمنين علي (عليه السلام)، 2 ـ الحسن بن علي
(عليهما السلام)، 3 ـ الحسين بن علي (عليهما السلام)، 4 ـ علي بن الحسين (عليهما السلام)،
5 ـ محمد بن علي (عليهما السلام)، 6 ـ جعفر بن محمد (عليهما السلام)، 7 ـ موسى بن جعفر
(عليهما السلام)، 8 ـ علي بن موسى (عليهما السلام)، 9 ـ محمد بن علي (عليهما السلام)،
10 ـ علي بن محمد (عليهما السلام)، 11 ـ الحسن بن علي (عليهما السلام)، 12 ـ الحجة بن الحسن (عج).
بوابه: أنس بن مالك.
شعراؤه: حسان بن ثابت، عبدالله بن رواحة، كعب بن مالك.
مؤذنوه: بلال الحبشي: ابن أم مكتوم، سعد القرط.
نقش خاتمه: (محمد رسول الله).
مدة عمره: 63 عاماً.
مدة نبوته: 23 سنة.
تاريخ وفاته: 28 صفر 11 هـ
مكان وفاته: المدينة المنورة.
محل دفنه: المدينة المنورة في المسجد النبوي الشريف.
احترام الشخصية :
إن أحد أهم عوامل الانسجام وحسن التفاهم بين الشيوخ والشباب في محيط الاسرة والمجتمع ، هو احترام شخصية جميع أفراد هاتنين الفئتين ، والإهتمام بهم ، وأن لا يرى نفسه في أي سن كان ، مهاناً وأن لا يشعر بأي مسّ مهين لعزّة نفسه وشخصيته ، وأن لا يحس بعدم الإطمئنان وفقدان الأمن .
ويفرح الإنسان لدى احترام الآخرين له ، ويعتبر ذلك من أكبر حالات السعادة بالنسبة له ، بينما يشعر بعدم الارتياح والغضب لدى توجيه الإهانة والاحتقار إليه ، ويعتبر ذلك تصرّفاً سيئاً يوجَّه إليه . والإنسان ، طبيعياً يحب من يعمل الخير له ، ويعادي من يعمل له السوء .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « جبلت القلوب على حب من أحسن إليها
وبغض من أساء عليها » (1) .
الحب الفطري
جميع أفراد البشر على اختلاف مشاربهم يحبون أن يكونوا موضع تكريم واحترام ، ونحن إذا اعتبرنا الآخرين مثلنا ، ووضعنا أنفسنا موضع قياسٍ في المعاشرة والاختلاط بهم ، واحترام شخصياتهم ، طبقاً لهذه الرغبة الفطرية فإننا نستطيع بسهولة أن نجذب محبتهم واحترامهم ونعيش معهم بحسن تفاهم .
معيار التعايش :
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله علمني عملاً أدخل به الجنة ، فقال : « ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم ، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم » (2) .
فكما نبدي نحن عدم الارتياح لإهانة الآخرين لنا ، ونقوم برد فعلٍ مهين ، كذلك فإن إهانتنا للآخرين تؤدي إلى عدم الارتياح ، وتؤلم ، فإذا واجهنا إهانتهم برد فعل مماثل عندها يجب أن نلوم أنفسنا .
قال الصادق عليه السلام : « من يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل به » (3) .
رمز النجاح :
إن احترام شخصية الناس يؤدي إلى جذب المحبة ، وهو رمز النجاج والتوفيق . وإهانة وتحقير الناس وسيلة لإيجاد الحقد والعداء وسبب للحرمان والفشل ولكي يقف الشباب والشيوخ على أهمية تكريم بعضهم لبعض ، ويتعرفوا على دور ذلك في التفاهم الاُسري والاجتماعي بصورة أفضل
سنتحدث في هذا الفصل عن هذا الواجب المهم دينياً وعلمياً ، وسندرس في البداية محيط العائلة ، ثم محيط المجتمع .
إن الاُسرة تتألف من فتى وفتاة ، وأب واُم في مرحلة الكهولة ، وجد وجدة كبيري السن ، مع عدد من الأطفال وخادم أو خادمة ، هم بمثابة دولة صغيرة . فالوالدان مسؤولان بالتعاون مع بعضهما البعض ، بالاُمور الإقتصادية وإدارة النظام الداخلي والمحافظة على مصالح الاُسرة ، فهما بشكل طبيعي ، يحكمان العائلة .
إن هذا ( البلد الصغير ) يكون منعماً بالأمن والهدوء والتعاون والتفاهم عندما يكون الوالدان ، أي السلطة الحاكمة ، يراعيان حقوق وحدود أعضاء العائلة ويحترمان شخصياتهم . ويتصرفان معهم على أساس الحق والفضيلة والعدل والإنصاف ، ومن جانب آخر يقوم أعضاء العائلة بأداء حقوق الوالدين ويحترمون شخصيتهما ، ويقدرون خدماتهما .
ولكي لا يصاب الشباب والكهول والشيوخ بحالة تطرف في الإندفاع أو عدم الإندفاع في احترام بعضهم بعضاً ، ولا يتجاوزا حدود المصلحة ، فمن الضروري :
أولاً : أن تعرف كل مجموعة حدها بشكل جيد ، وتتبين مطالبها الصحيحة والخاطئة وأن تتوقع احترام الآخرين بالمقدار المناسب .
ثانياً : أن تطلع على حدود الآخرين ، وتفصل بين توقعاتهم الصحيحة والخاطئة ، وتنظر بواقعية إلى حدود الاحترام الذي تستحقه ويستحقه الآخرون .
من الواضح أنه في هذه الصورة يستطيع أعضاء الاُسرة ، في كافة المراحل ، أن ينفذوا الحق والعدالة ، وأن يعملوا وفق تكليفهم الديني والعلمي ، وأن يؤدوا واجباتهم بشكل مرض في جو الاُسرة .
معرفة الحالة النفسية للشباب :
إن أول نقطة يجب الاهتمام بها في هذا البحث ، هي معرفة نفسية الشباب ، والاطلاع على مقتضيات مرحلة الشباب . وعلى الواليدن أن يعرفا أن ابنهما الشاب قد تجاوز مرحلة الطفولة ووصل الى مرحلة الشباب .
رغبة الحرية :
يحب الشاب بطبيعته الاستقلال والظهور ويريد أن يحرر نفسه وبسرعة ، من محدوديات مرحة الطفولة ، ويلتحق بمجموعة الكبار ، ويكون مستقلاً مثلهم . وهو لا يعلن عن مطالبه ، ولكن إذا لم يصل إلى هدفه ، ويحصل على حقه الطبيعي ، فإنه يتمرد ويطغى ، ويقوم بالأعمال غير الطبيعية ، ويتصرف بسوء ويصبح عنيفاً ، ولسان حاله يقول : احترموا شخصيتي ، اعتبروني مستقلاً وحراً ، وتصرفوا معي كرجل كبير .
على الوالدين أن يقبلوا هذا الواقع أي أن ابنهما الشاب لم يعد طفلاً ، ولا يجب أن يتصرفا معه كما كانا يتصرفان معه في مرحلة الطفولة ، ويلقيان عليه الأوامر بعنف وشدة ، وهذا هو ما أوصى به نبي الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قبل أربعة عشر قرناً ، وكذلك فإن علماء اليوم يعتبرون ذلك واحداً من البرامج التربوية الأساسية في كتبهم في حين أن أحاديث العلماء لا تعدو نظرية علمية وليس لها ضمان تنفيذي ، بينما تعاليم الأئمة هي واجب ديني ، يعتبرها أتباع الإسلام أمراً إلهياً وأنهم مكلفون بها وواجب عليهم معرفتها .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين » (1) .
مراحل العمر :
إن الإنسان طوال عمره ، يطوي ثلاث مراحل متمايزة :
1 ـ مرحلة النمو ـ الطفولة والشباب .
2 ـ مرحلة التوقف ـ الكهولة .
3 ـ مرحلة النقصان ـ الشيخوخة .
وبنظر الكثير من العلماء ، أن سن الحادية والعشرين هي نهاية مرحلة الشباب ، ففي هذه السن ينتهي نمو البدن ، والعظام تكون قد استقامت تقريباً ووصلت إلى نموها النهائي ، وبعد ذلك إذا حصل نمو فإنه يكون طفيفاً .
والإنسان منذ الولادة وحتى سن الحادية والعشرين ، يكون عرضة لتحولات وتغييرات مستمرة ، ويتغير وضع جسمه ونفسه ، والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد قسّم الامتداد الزمني لمراحل النمو الذي يصيب وضع الجسم والنفس لدى الأبناء وكيفية تصرفاتهم تجاه الوالدين ، إلى ثلاثة أقسام كل قسم سبع سنين .
السنوات السبع الاولى والثانية :
الطفل في السنوات السبع الاولى من عمره ، يحكم والديه ، لأن فكره لم ينضج بعد ، وجسمه ضعيف ، ولذا ينظر الوالدان إليه بعين الرأفة والرحمة ولذا فهما مجبران على إطاعته ، يلبيان طلباته ويطيعانه ، ولهذا السبب قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم « الولد سيد سبع سنين » . وفي السنوات السبع الثانية تحدث تغييرات وتحولات ملحوظة في جسم ونفس الطفل ، يقوى جسمه ، ويزداد إدراكه ، لدرجة أنه يميز بين الطيب والخبيث ولهذا السبب يؤاخذ من قبل والديه ومديره ومعلمه .
ولكن بما أن عقله لم يكمل بعد ولا يستطيع أن يميز بين الصلاح والفساد بصورة صحيحة فإن والديه يأمرانه بحزم ويذكرانه بواجباته وهو من جانبه مجبر على إطاعة والديه وينفذ أوامرهما . ولذا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم « وعبد سبع سنين » للوالدين .
السنوات السبع الثالثة :
إن السنوات السبع الثالثة من العمر تبدأ من سن الخامسة عشرة حيث مرحلة البلوغ والشباب ، وفي هذه المرحلة تتغير أفكار وجسم الابن بصورة كاملة ، وتظهر تحولات ملحوظة في الجسم والنفس ، وتزول مميزات الطفولة ، وتظهر معالم الرجولة بوضوح ، وقد وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذه المرحلة بكلمة ( وزير ) ، حيث إن الابن لن يكون كما في المرحلة الاُولى سيداً على الوالدين ، ولا في المرحلة الثانية عبداً لهما ، وإنما يقوم بدور الوزير في دولة الاسرة . و ( الوزير ) لغوياً لها معانٍ كثيرة ، فهو الشيء الذي يحمل على عاتقيه مسؤولية كبيرة ، والطفل ، قبل بلوغه ، لا يتحمل مسؤولية في العائلة . ولكن عندما يصل سن البلوغ عليه أن يتحملها ، ويحمل بعضاً من أعباء العائلة .
( والوزارة ) بمعنى المساعدة والتعاون فكرياً في التدبير وفي رعاية المصالح . فعلى الشاب أن يكون معاوناً للوالدين في محيط الاُسرة . يتشاور معهما ويبادلهما الرأي ، فيساعد والديه في تدبير اُمور الحياة .
تعامل الأبوين مع الأبناء :
والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم باستخدامه كلمة ( وزير ) شخّص من جهة حالة بروز الشخصية والاستقلال لديه وعزمه كوزير مسؤول في محيط الدولة الصغيرة ( الاُسرة ) ، ومن جهة اخرى أفهم الوالدين أن لا يتصرفا مع شاب اليوم تصرفهم مع طفل الأمس ، ولا يتحدثا إليه بإصدار الأوامر بعنف ولا يحتقرا شخصيته ، فطفل الأمس كان عبداً مطيعاً أما شاب اليوم فهو وزير ومشاور لهما .
لو نظر الوالدان المدركان والشباب الأذكياء بدقة إلى حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وتعمقوا فيه لأدركوا قيمة هذا الحديث الشريف وعرفوا كيف يمكن الاستفادة من الكثير من المواضيع التي جاء بها علماء اليوم بعد دراسة وتحقيق ودونوها في كتبهم النفسية ، وهي موجودة في هذا الحديث القصير .
ضرورة استقلال الشباب :
« يقول الدكتور ( هارِس ) : إن الشباب كائنات مستقلة ويجب عليكم أن تعتبروهم أصحاب شخصية ، وفي مرحلة البلوغ أكثر من أي زمن آخر يريد الشاب أن يُصبح مهماً ويهتم به ، ويحتاج بشدة أن يعتبر صديقاً وشريكاً ، فكم يُسمع من الشباب ( ليت الكبار يتحدثون إلينا مرة بجد ) والحقيقة أن هؤلاء الشباب يحتاج إليهم في العالم كأي رجل وامرأة » (1) .
« إن حاجة الشباب إلى الاستقلال تماماً كحاجة الطفل إلى الحماية والتعليم . إن تمرد الشباب للوصول الى الاستقلال أمر طبيعي ، ويصبح هذا التمرد مشكلة عندما يسعون للوصول إلى الاستقلال بالوقوف بوجه الوالدين » (2) حق ابداء الرأي :
« لا شيء أكثر تأثيراً في تربيتهم من حق إبداء الرأي ، فلابد من منحهم حق إبداء الرأي في البيت والمدرسة تماماً كما للشعب الأمريكي هذا الحق . ( لا أمتلك وقتاً للتوضيح وافعل ما قلته لك ) إن هذا القول يجب أن يقال وقت الحريق : لكن أن نقول : ( كن في الساعة الفلانية في البيت ولا تجادل ) ، ثم نُشغل أنفسنا بقراءة الصحيفة . فبهذا نكون قد سلكنا مسلكاً خاطئاً » (3) .
إن إعطاء الاستقلال للشباب وتكريم شخصيته لا يعنيان أن يكون حراً في جميع أعماله لكي يدخل في أي محيط فاسد كما يشاء ، أو يجالس صديقاً منحرفاً ، وأن يؤدي ما يشاء من الأعمال ، وفي النتيجة يُصبح شخصاً متمرداً عاصياً . إنه لخطأ ارتكبه العالم الغربي عندما منح الشباب حرية أكثر مما
تقتضيه المصلحة ، ولهذا يواجه الآن مشاكل ومصائب .
مخاطر الحرية المطلقة :
إن الشباب الذين لهم طبع ناري وإدراك ضعيف هم دائماً عرضة للتعاسة والسقوط ، إن هؤلاء ، طبقاً لما تقتضيه السن ، ينجذبون نحو اللهو واللذات ، ولو أنه كانت لهم الحرية المطلقة لاُصيبوا بأنواع الخطايا والشرور والفحشاء ، وعدم العفة ، والإدمان المضر ولسقطوا بسرعة في الفساد والمهاوي الاخرى .
إن الشباب ، لا تجربة لهم ، وهم لا يرون في الغالب نهاية الأعمال ، ويعجزون عن تمييز الطيب من الخبيث ، والخير من الشر ، والصلاح من الفساد ، كما أنهم لا يفهمون أنفسهم . إنهم لا يستطيعون أن يسيروا في طريق الحياة وحدهم ، أو يجتازوا النقاط الخطرة التي تعترض طريقهم بسلامة . ولو منحوا الحرية المطلقة فإنهم سينحرفون عن الصراط المستقيم ، ويسيرون في ضياع ويسقطون في منحدرات الحياة .
عدم الاطمئنان النفسي :
« طبعاً ليس المقصود من الاستقلال والحرية وحق إبداء الرأي ووجهات النظر ، أن يترك الشباب لحالهم في البيت أو المدرسة ، لكي يفعلوا ما يريدون ، إن هذا الأمر يوجد لديهم حالة من القلق وعدم الأطمئنان النفسي . لا شك أنهم لا يستطيعون متابعة مسيرة الحياة وحدهم فلابد من مد يد العون لهم » (1) .
الحرية المحدودة :
من كلمة ( الوزير ) الواردة في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نرى بوضوح محدودية حرية الشباب ، لأن ( الوزارة ) بمعنى المساعدة والتعاون ، فالإبن الشاب ، رغم أنه وصل إلى مقام الوزارة في دولة العائلة ، تحترم شخصيته إلا
أنه يجب أن لا ينسى أنه ( وزير ) أي مساعد ومعاون للوالدين ، وهو لا يملك الاستقلال والحرية الكاملة . فالشاب له حق إبداء الرأي في المسائل العائلية ، وأن يساعد الوالدين ، ولكن التصميم النهائي في شؤون العائلة ، يتعلق بالوالدين . وعليه فإنه في مدرسة الإسلام التربوية يكون الاستقلال محدوداً ولا يمكن أن يكون مطلقاً بدون قيد أو شرط . إن هناك ارتباطاً ووحدةً بين أفراد العائلة ، وهم شركاء في الخير والشر والسراء والضراء ، ولا يحق للشباب أن يسيئووا استغلال الحرية والاستقلال ، ويتعرضوا لأسوأ النتائج من جراء سوء تصرفهم ، وبذا يصبحون مصدراً للفضيحة والإساءة للوالدين وبقية أفراد العائلة .
عطش الاستقلال :
الشاب ، بشكل طبيعي له عطش للاستقلال والشخصية ، وهذه الرغبة خلقت معه بحكمة الله تبارك وتعالى ، فقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إن الابن ( وزير سبع سنين ) وهذا يعني أن الوالدين يجب أن يتصرفا معه باعتباره ( وزيراً ) وهكذا يلبيان طلباته الطبيعية ، ويحترمان شخصيته واستقلاله ، لكي يخلقوا منه شخصاً مفيداً ولائقاً للمجتمع .
وعندما يهتم الوالدان بطلبات ابنهم الطبيعية ، ويعملان وفق أوامر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فإنه سينشأ معتمداً على نفسه ويكون ذا شخصية ، وفي المستقبل يكون إنساناً مستقلاً ذا إرادة ، وعنصراً مفيداً وثميناً ، يستفيد منه المجتمع .
تشدد الأبوين :
وإذا لم يهتم الوالدان برغبات أبنائهم الشبان ، ولم يلتفتا إلى قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ووقفا بصلابة وخشونة وعنف بوجه رغبات أبنائهما في الاستقلال واحتقرا هذه الرغبات وأهاناهم وقمعا شخصياتهم ، أو قاما بالتدخل في أعمال أبنائهما متجاوزين الحدود على أعتبار أنه واجبهما في المسؤولية عليهم ، أو سلبا منهم فرصة التفكير بالإشراف عليهم دون حساب ،
أو حمايتهم دون مبرر فإنهما يقطعان عليهم فرصة الاعتماد على النفس ، وبهذا سوف يعتمدون على الآخرين ، ونتيجة هذا التصرف غير الصحيح يمكن أن تظهر على شكلين غير مرغوبين في أبنائهما الشبان .
أولاً : من الممكن أن يفقد الشاب مقاومته إثر الضغوط الشديدة والإشراف المتعب من قبل الوالدين فيستسلمون للشروط الموجودة ، وينصرفون عن طلب الاستقلال . طبعاً مثل هذا الشاب سيكون شاباً منسجماً مع الوضع الذي هو فيه ، ولا يخلق المتاعب لوالديه ، ولكن هذا النوع من التربية يقتل الكفاءات الكامنة لدى الشاب ، ويجعله ضعيفاً ، متخلفاً لحرمانه من الاستقلالية والاعتماد على النفس وفي المستقبل سيكون من جملة الأفراد التعساء والبؤساء .
تدخل الوالدين :
« عندما ينشأ الشباب معتمدين على الأخرين ولا يتمنون الاستقلال فإن المدرسة والبيت سيكونان هادئين بوجودهم ، ولكن سيكون لهم مستقبل غير ثابت ، لم تكن والدة فيليب لتدرك هذه القضية ، كما أنها لا تستطيع في المرحلة الثانية أن تفهم سبب فشل فيليب ، حيث إنها كانت دائماً تتدخل في كل مسألة له ولم تكن تسمح له حتى بأداء أعماله الشخصية . فهي لم تكن لتعرف أن سبب فقدانه الشخصية وفشله ناتج عن هذه التدخلات غير الصحيحة ، كان فيليب يحب الوحدة ويكره المدرسة ، ولم تكن لديه القدرة على اتخاذ أي تصميم حول أي موضوع ، وكان فيليب يعيش تحت إشراف اُمه ، فهي تعين له أين يذهب ، وماذا يلبس ، وماذا يقول وفي النتيجة لم يكن هناك عناء لكي يجد فيليب اسلوباً لنفسه ، فقد كانت اُمه هي التي تخطط له كل شيء ، تشتري له الملابس وتنظم له برامج عُطله . بل كانت هي التي تعين له الفرع الذي يجب أن يدرس فيه ، وكانت نتيجة هذه
القدرة وتدخل الاُم ، أن نشأ شاب مثل فيليب ابناً لا يقدر على تحمل أية مسؤولية ، ليس قادراً على الاعتماد على نفسه ، كما لم يكن هناك من قام بتربيته على أساس أن يتقبل المسؤولية والاستقلال ، كان يلعب كرة القدم ولكنه كان فاشلاً . أصغر الأطفال كانوا يستطيعون ضربه ، كان يجيد السباحة جيداً لكنه لم يكن مستعداً لترأس فريق السباحة ، وكان يقول لا اُريد أن أجذب انتباه أحد ، ولم يكن يندفع لمعرفة وتدقيق وتفحص وميل نحو أي أمر ، كما لم يكن يبحث عن أية مسألة ولا يبدي أية علاقة تجاهها لكي لا يتحمل بالتالي أية مسؤولية ، فقد كان يخشى من قبول أية مسؤولية » (1) التشدد والتنازع :
ثانياً : إن الشاب الذي يعتمد على نفسه وتكون له إرادة قوية يقف بثبات أمام ضغوط الوالدين غير الصحيحة ولن يغض النظر للتخلي عن شخصيته واستقلاله الذي هما من حقوقه الطبيعة والشرعية وفي هذه الحالة التي يشتد فيها الاختلاف ، يبدأ التمرد والطغيان وينقلب جو الأسرة إلى ساحة للصراع والمشاجرة والصياح والخشونة ، والدموع والبكاء والقلق والاختلاف والتضاد كل هذه الحالات ستصبح برنامجاً عادياً لمثل هذا البيت وكلما زاد الوالدان من ضغطهما ازدادت المشاكل .
« إن المرحلة الأخيرة للانقلاب الروحي للشباب ، هي عدم الرضى والبؤس والحزن ، وتأتي هذه المرحلة عندما يبدأ الكبار بزيادة تحكمهم ، بهدف حفظ احترامهم ومكانتهم ، بينما الاحترام هو وليد حسن العلاقة والمحبة وكلما ازدات الشدة وقام الكبار بمراقبة الشباب والضغط عليهم كانت النتيجة انفصال الشبان وهروبهم » (2) .
إن الوالدين المسلمين اللذين يريدان تربية ابنٍ شاب ذي شخصية إنسانية لائقة ، عليهما أن يعملا بقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وينفذا أوامره المثمرة كما يجب عليهما أن يعتبرا الشاب وزيراً للاُسرة ، ويحترما شخصيته ويستشيراه في الشؤون الداخلية ، ويدرسا آراءه ، وبهذه الطريقة يلبيان طلبه في الاستقلال .
الاحترام وراحة البال :
إن الشاب الذين يكون عضواً مؤثراً في جو الاُسرة ويعتبر والداه شخصيته كشخصية الكبار ويحترمانه ، سوف يليق به الاستقلال والحرية وسيكون هذا الشاب صاحب نفس هادئة وضمير مطمئن ولا يحس بحقارةٍ أونقص . إن هذا الشاب ، لكي يحافظ على مقامه السامي ومنزلته لدى الآخرين ويثبت لياقته لإحراز الاستقلال والحرية ، يسعى للإبتعاد عن الخطايا والأعمال السيئة وأن لا يصيب شخصيته نقص يستوجب احتقار وإهانة الآخرين .
قال علي عليه السلام : « من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية » (1) .
إن الشاب الذي تقمع شخصيته ، ويهان ولا يحترم في العائلة ويحتقره والداه بكلمات نابية وتصرف خشن ويحتقر انه لأنه شخص غير جدير بالاستقلال والحرية ، هذا الشاب يكون دائماً في حالة عصبية غاضبة ، وهو نتيجة الحاقرة التي يشعر بها يكون ضعيفاً معرضاً للأصابة ، ومن الممكن أن يخضع بسرعة للذل ويقع بسهولة في أحضان الخطايا
جهل الوالدين :
على أية حال ، مع وصول مرحلة الشباب ، تبدأ أيام بناء شخصية الشاب ، والوالدان اللذان يدركان واجبهما تماماً ويعملان طبق أوامر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، يحترمان أولادهما ويعتبرانهم وزراء ومشاورين لهما وبذلك يجعلان منهم أصدقاء حميمين ورفقاء وزملاء لهما .
وأما الوالدان الجاهلان فإنهما يقضيان على الحقوق الطبيعة والشرعية لأبنائهما الشبان ، كما يدمران عزة النفس والشخصية لديهم بالإهانة والتحقير والأعمال غير الصحيحة ، وبهذه التصرفات السيئة ينثران بذور العداوة والبغضاء في قلوبهم ، ويجعلان منهم أعداء لهما .
قال الإمام علي عليه السلام : « ولدك ريحانتك سبعاً وخادمك سبعاً ثم هو عدوك أو صديقك » (1) .
الأبوان المسؤولان :
إن الوالدين اللذين يربيان أبناءهما بشكل صحيح من حيث التصرف والكلام فإن هؤلاء الأولاد ينشأون بقلوبٍ طاهرة ، وفضيلة عامرة ، تشملهم الألطاف الإلهية ، ونبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم دعا لهم بالخير .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما » (2) .
أما الوالدان اللذان يربيان أولادهما تربية سيئة بالإهانة والأعمال الحقيرة وغير المشروعة ، فإنهما يدفعان بهم إلى حالةٍ انتقامية وإلى الخطيئة والعدوان فيشملهم عذاب الله عز وجل .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا علي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما » (3) .
شرط التفاهم :
النتيجة المستحصلة أن تكريم الشبان واحترام شخصياتهم واستقلالهم هو أحد الشروط الأساسية لحسن التفاهم الاسري .
فقد كرم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الشاب من جهة ، ومن جهة اخرى فقد
حث الوالدين على أن يقوما بتربية الأولاد على أحسن وجه وأن يقوما بوظائفهما تجاه أولادهما خصوصاً وقت الريعان والشباب .
الأبناء والشعور بالمسؤولية :
الشرط الثاني لتفاهم الشبان والكبار في جو الاُسرة ، هو وجوب أن يعرف الشبان أيضاً حق الوالدين ويحترموا شخصيتهما ، وبعبارة اخرى ، إنه لا يكفي أن يعرف الوالدان واجبهما وأن يحترما شخصية أبنائهما ، لحسن التفاهم بين الشبان والكبار ، بل على الشبان أيضاً أن يعرفوا بالمقابل واجباتهم في حفظ حقوق وحدود الوالدين واحترامهما ، وأن يكرموا شخصيتيهما ، وقد جاء هذا الموضوع في القرآن الكريم وفي الروايات الإسلامية والأحاديث الشريفة مع التأكيد .
حقوق الوالدين :
قال تعالى : ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا ) (1) .
قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسيره للأية : « معناه لا تملأ ع********* من النظر إليهما إلا برأفة ورحمة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يديك فوق أيديهما ، ولا تتقدم قدامهما » (2) .
عن الباقر عليه السلام قال : « سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم حقاً على الرجل ؟ قال : والداه » (3) .
عن أبي جعفر عليه السلام قال : « نظر أبي إلى رجل ومعه ابنه يمشي والإبن متكئ على ذراع الأب : قال : فما كلمه أبي مقتاً له حتى فارق الدنيا » (4) .
فقه الرضا عليه السلام : عليك بطاعة الأب وبرّه والتواضع والخضوع والإعظام والإكرام له ، إلى أن قال وقد قرن الله عز وجل حقهما بحقه فقال تعالى :
( اشكر لي ولوالديك إليّ المصير ) (1) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رضى الله في رضى الوالدين وسخطه في سخطهما » (2) .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم « نظر الولد إلى والديه حُبّاً لهما عبادة » (3) .
إن عمل الخير للوالدين واحترامهما واحترام شخصيتهما واجب إسلامي تماماً ويجب أن يكون ذلك برنامجاً ثابتاً ودائماً في المجتمع الإسلامي ، وعبر الأجيال ، ويكون حديث الأبناء عن الوالدين مقروناً بالأدب والإحترام .
المحافظة على سنة الاحترام :
إن فتيات وشبان اليوم هم أمهات وآباء المجتمع في الغد ، ولو أن شباب اليوم راعوا واجب التكريم والاحترام لوالديهم ، وحفظو هذه السنة الإلهية في المجتمع ، فإنهم غداً سيكونون موضع تكريم من قبل أبنائهم وينعمون في هذه السعادة .
قال الصادق عليه السلام : « بروا آباءكم تبركم أبناؤكم » (4) .
إذاً فالشرط الثاني لحسن التفاهم بين الكبار والشبان في العائلة هو تكريم واحترام الوالدين . إن الأبناء الشبان مكلفون أن يتصرفوا مع والديهم بكمال التواضع والأدب ، وأن يحترموهما منتهى الاحترام وبهذا يجلبون رضاهما الذي هو من رضى الله تبارك وتعالى .
تكريم الكبار :
إلى جانب احترام شخصية الأبناء الشبان والوالدين ، لابد من تكريم الجد والجدة طبقاً لتعاليم الإسلام ، وهذا هو الشرط الثالث لتفاهم الشبان والكبار في محيط الاُسرة ، وقد وردت ضرورة إجلالهم وتكريمهم في القرآن الكريم والروايات الإسلامية بصراحة ، كما أوجب ذلك أولياء الإسلام حيث طالبوا من أتباعهم حفظ حقوق ورعاية حدود الجد والجدة .
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اُف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ) (1) .
روي عن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده أبي عبدالله عليه السلام قال : « لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من ( اُف ) لأتى به » (2) .
نصيحة توجهها للشباب والفتيات
أحب أن أقول لأبنائى إنه لا صلاح وحياه ولا بقاء ولا سعادة لنا جميعاً فى الدنيا والآخرة إلا إذا استمسكنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك يكون بحضور مجالس العلم ومزاحمة العلماء فى المساجد وفى التمسك بالصحبة الصالحة ... وأنصحم أيضاً بألا نقلد من يقلدون ولا نضحك مع من يضحكون ولا ندلس مع من يدلسون ولكن نعنز بهويتنا وديننا لكى نصلح الدنيا بالدين وننال رضا ربنا عز وجل
ماهى الكتب التى تنصح الشباب بقرآتها؟
أحب ان يدرس أبنائى وبناتى تاريخ الصحابة والسلف الصالح والتابعين وتابعى التابعين ومن تلاهم فى موكب الصلاح كالعز بن عبد السلام وصلاح الدين الأيوبى والصالحين فى العصر الحديث وهكذا... اما بالنسبة للكتاب فأنصحهم بكتب العقيدة للشيخ محمد الغزالى وكذلك كتب د.يوسف القرضاوى والأستاذ سيد قطب وكل هؤلاء الأعلام الذين أثروا الحياة الإسلامية بفكرهم الصحيح وعقيدتهم السليمة
وبما تنصح الآباء والأمهات عن دورهم تجاه أبنائهم؟
أقول لأولياء الأمور : دعو أبنائكم يصاحبوا الشباب الصالحين ودعوا بناتكم يصاحبن البنات الصالحات ودعوهم جميعاً يحضروا مجالس العلم ويعمروا مساجد الله وألا يخافوا عليهم من جزاء ذلك بل الخوف يكون حينما ينصرف الأبناء عن حضور مجالس العلم الذى هو فريضة على كل مسلم ومسلمة مثل الصلاة. وهناك قضية أريد ان اهمس بها أنه لا صلاح لمجتمعنا إلا بصلاح أبنائه ولندع لهذا الجيل الصالح الذى هو أفضل عند الله من الملائكة أقول لندعهم يصلحوا الدنيا والمجتمع بصلاحهم وتقواهم
أخيراً بما يجدد الإنسان إيمانه ويهذب من خلقه؟
كما قلت سابقاً بحضور مجالس العلم التى تحفها الملائكة ويغفر الله لمن شهدها او حضرها وكذلك بكثرة تلاوة كتاب الله فكما أن للشمس أشعه تصح بها الأبدان ، فإن لتلاوة القرآن وأياته أشعة تخترق القلب فتضيئه بالإيمان وتصلح ما به من عيوب وآفات
جزاكم الله خيرأ كثيراً
بارك الله فيكم ولا تنسونا من صالح دعائكم
- 1أهمية الشباب. 2- ضرورة العناية بالنشء. 3- خطورة مرحلة الطفولة. 4- عناية النبي بالأطفال-5 نماذج من معاملته للأطفال. 6- حرص النبي على تعليم الأطفال والشباب. 7- نعمة الذرية. 8- السبيل لصلاح الأولاد.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى.
أيها الناس، زينة الحياة الدنيا وعدّة الزمان بعد الله هُم شباب الإسلام والناشئون في طاعة ربهم، لا تكاد تعرف لهم نزوة أو يعهد منهم صبوة، يتسابقون في ميادين الصالحات، أولئك لهم الحياة الطيبة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه. في الحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((شابًا نشأ في طاعة الله)).
عباد الله، لئن تطلعت الأمة لإصلاح ناشئتها ورغبت أن تقرّ أعينها بصلاحهم فعليها أن تهتمّ بتربيتهم، وتسليحهم بسلاح الإيمان، وتحصينهم بدروع التقوى، وأخذهم بجدِّ وقوة العلم النافع والعمل الصالح.
إن العناية بالنشء مسلك الأخيار وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمم إلا حين يفسد أجيالها الناشئة، ولا ينال منها الأعداء إلا حين ينالون من شبابها وصغارها.
عباد الله، إن الشاب في فترات تكوينه يمر بمراحل، كل مرحلة أهمّ من الأخرى. ألا وإن من أهم تلك المراحل مرحلة الطفولة، فهي السن الذي يتعرف فيه الطفل على مجريات الحياة، فيعرف الصحيح، ويعرف الخطأ، ويعلم الصواب، ويتعوّد على الغلط، ((كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرنه أو يمجسانه)).
لهذا كانت مرحلة الطفولة من أخطر المراحل، ولقد كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم، يعلّمونهم وينشّئونهم على الخير، ويبعدونهم عن الشرّ، ويختارون لهم المعلمين الصالحين والمربين والحكماء والأتقياء.
عباد الله، محمد سيد ولد آدم وأعظم الناس مكانة هو القدوة في كل شيء، ولقد راعى الأطفال واهتم بأمرهم. ألا فليقتد بذلك الناصحون، لم يكن يتضجر ولا يغضب منهم، إن أخطؤوا دلهم من غير تعنيف، وإن أصابوا دعا لهم.
وإليكم ـ يا عباد الله ـ نماذج من معاملته لأطفاله :
روى الإمام أحمد في مسنده أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي العشاء، فإذا سجد رسول الله وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذًا رفيقًا ووضعهما على الأرض، فإذا عاد إلى السجود عادا إلى ظهره حتى قضى صلاته، ثم أقعد أحدهما على فخذيه، يقول أبو هريرة: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أردهما؟ فبرقت برقة في السماء، فقال لهما: ((الحقا بأمكما))، فمكث ضوؤها حتى دخلا.
وعن أم خالد رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله مع أبي وأنا صغيرة، وعلي قميص أصفر، فقال رسول الله : ((سنه سنه))، أي: حسن حسن، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة على ظهر رسول الله، فزبرني أبي، فقال رسول الله : ((أبلي وأخلِقي، ثم أبلي وأخلقي))، فعمرت أم خالد بعد ذلك. رواه البخاري.
ولما جاءت أم قيس بنت محصن إلى رسول الله بابنٍ لها صغيرٍ لم يأكل الطعام، فحمله رسول الله فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله. وتقول أم الفضل رضي الله عنها: بال الحسين بن علي رضي الله عنهما في حجر النبي ، فقلت: يا رسول الله، أعطني ثوبك والبس ثوبًا غيره حتى أغسله، فقال: ((إنما ينضج من بول الذكر، ويغسل من بول الأنثى)) رواه الثلاثة.
عباد الله، لقد كان يلاعب الأطفال، ويمشي خلفهم أمام الناس، وكان يقبلهم ويضاحكهم. روى الإمام أحمد وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: خرجت مع النبي وقد دعينا إلى طعام فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم ثم بسط يديه ليأخذه، فطفق الغلام يفرّ ها هنا ويفرّ ها هنا، ورسول الله يلحقه يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم أقبل علينا وقال: ((حسين مني وأنا من حسين)).
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت أذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله أخذ بيديه جميعًا بكفي الحسن أو الحسين، وقدماه على قدم رسول الله ، ورسول الله يقول: ((ارقه ارقه))، قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ، ثم قال رسول الله : ((افتح فاك))، ثم قبله، ثم قال: ((اللهم أحبه فإني أحبّه)) رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في معجمه.
وجاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله فرآه يقبّل الحسن بن علي، فقال الأقرع: أتقبّلون صبيانكم؟! فقال رسول الله: ((نعم))، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت واحدًا منهم قط، فقال له رسول الله : ((من لا يرحم لا يرحم)) متفق عليه.
أيها الناس، لقد بلغ من عناية الرسول بأطفاله أن ألقى لهم باله حتى أثناء تأديته للعبادة، يقول أبو قتادة: كان رسول الله يصلي وهو حامل أمامة بنت بنته زينب، فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وكان إذا سمع بكاء الصبي وهو في صلاته تجوّز فيها مخالفة الشفقة من أمه. متفق عليهما.
وكان رسول الله يخطب ذات يوم فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدق الله ورسوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما))، ثم أكمل خطبته. رواه أهل السنن.
عباد الله، هذا رسول الله ، وهذه معاملته لأطفاله، أترونه يهمل تعليمهم؟! روى البخاري ومسلم أن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله : ((يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)). ولما أراد الحسين أن يأكل تمرة من تمر الصدقة قال له الرسول : ((كخ كخ، أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة؟!)). وروى البخاري أن النبي كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كلّ شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)).
إن عناية المصطفى تستمر معهم حتى بعد بلوغهم مبلغ الرجال، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت فاطمة بنت رسول الله عندي، وكانت أحبّ أهله إليه، فجرّت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثّرت في نحرها، وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكِنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضرّ، فسمعنا أن رقيقًا أتِي بهم النبيّ فقلت: لو أتيتِ أباك فسألتيه خادمًا يكفيك، فأتته فوجدت عنده ناسًا فاستحيت فرجعت، يقول علي: فغدا علينا رسول الله من الليل ونحن في لفاعنا ـ أي: لحافنا ـ قد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم فقال: ((مكانكما))، ثم جلس بيننا، وأدخل قدمه بيني وبين فاطمة، وجلس عند رأسها، فأدخلت فاطمة رأسها في اللفاع حياءً من أبيها، فقال: ((ما كان حاجتُك أمس إلى آل محمد؟)) فسكتت، فقلت: أنا والله أحدّثك يا رسول الله، إنّ هذه جرّت عندي بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وخبزت حتى تغير وجهها، وبلَغَنا أنه قد أتاك رقيق فقلت: سليه خادمًا، فقال : ((أوَلاَ أدلّكما على ما هو خير لكما من خادم؟! إذا أويتما إلى فراشكما فسبّحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبّرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم)) رواه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه فيما تحت أيديكم وما استرعاكم الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، واشكروا نعمة الله عليكم بهؤلاء الأولاد الذين جعلهم الله فتنة لكم، فإما قرّة عين في الدنيا والآخرة، وإما حسرة وندم ونكد. وإن من شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال وتنشئتهم تنشئة صالحة.
عباد الله، الأطفال هم حياة البيوت، بيت لا أطفال فيه بيت فيه نقص. إنهم ـ أيها الإخوة ـ يملؤون البيت إزعاجًا ولكنهم يملؤونه فرحًا وسرورًا، يملؤونه فوضى ولكنهم يملؤونه ضحكًا وابتهاجًا.
سئل غيلان بن سلمة الثقفي: من أحب ولدك إليك؟ فقال: "صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يحضر".
عباد الله، شعور يحسّ به الوالد حين يرى صغاره أمامَه، ويتذكّر قول الرسول : ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرّ منه))، ويرى ما هو فيه وما مر به من فتن لا يثبت فيها إلا من عصمه الله، وماذا بعده؟ أو كيف السبيل إلى وقايته مما أمامه؟
ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ أن ثمة أمورًا جعلها الله من فِعل الأب وتنفع الابن من بعده، ومن أهمّ هذه الأمور صلاح الوالد في نفسه، فإنه سبب لحفظ الله عز وجل لأبنائه من بعده، يقول الله سبحانه: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف:82]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (حفظهما الله بصلاح والدهما ولم يذكر الله للولدين صلاحًا).
وإن الله بفضله وكرمه إذا أدخل المؤمنين الجنة يلحِق بالآباء أبناءهم وإن كانوا دونهم في العمل، يقول الله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما عند هذه الآية: (إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل كي تقرّ بهم أعينهم)، وجاء في حديث مرسل: ((إن الله ليحفظ المرء المسلم من بعده في ولده وولد ولده وفي داره والدويرات حوله)).
عباد الله، لا يغلبنّكم الشيطان على باب آخر مفتوح للمؤمنين وهو دعاء الوالد لولده، فقد صحّ عنه من حديث أبي هريرة أنه قال: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهن))، وذكر منهن: ((دعوة الوالد لولده)).
ولقد كان دأب الأنبياء عليهم السلام الدعوة لأبنائهم، يقول إبراهيم: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40]، وقال هو وولده إسماعيل: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة:128]، وقال زكريا: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].
فاتقوا الله عباد الله، واعملوا صالحًا، وسيروا على النهج، وأصلحوا النشء؛ تسعدوا في حياتكم وبعد وفاتكم.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد...