احترام الشخصية :
إن أحد أهم عوامل الانسجام وحسن التفاهم بين الشيوخ والشباب في محيط الاسرة والمجتمع ، هو احترام شخصية جميع أفراد هاتنين الفئتين ، والإهتمام بهم ، وأن لا يرى نفسه في أي سن كان ، مهاناً وأن لا يشعر بأي مسّ مهين لعزّة نفسه وشخصيته ، وأن لا يحس بعدم الإطمئنان وفقدان الأمن .
ويفرح الإنسان لدى احترام الآخرين له ، ويعتبر ذلك من أكبر حالات السعادة بالنسبة له ، بينما يشعر بعدم الارتياح والغضب لدى توجيه الإهانة والاحتقار إليه ، ويعتبر ذلك تصرّفاً سيئاً يوجَّه إليه . والإنسان ، طبيعياً يحب من يعمل الخير له ، ويعادي من يعمل له السوء .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « جبلت القلوب على حب من أحسن إليها
________________________________________
( 2 )
وبغض من أساء عليها » (1) .
الحب الفطري
جميع أفراد البشر على اختلاف مشاربهم يحبون أن يكونوا موضع تكريم واحترام ، ونحن إذا اعتبرنا الآخرين مثلنا ، ووضعنا أنفسنا موضع قياسٍ في المعاشرة والاختلاط بهم ، واحترام شخصياتهم ، طبقاً لهذه الرغبة الفطرية فإننا نستطيع بسهولة أن نجذب محبتهم واحترامهم ونعيش معهم بحسن تفاهم .
معيار التعايش :
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله علمني عملاً أدخل به الجنة ، فقال : « ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم ، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم » (2) .
فكما نبدي نحن عدم الارتياح لإهانة الآخرين لنا ، ونقوم برد فعلٍ مهين ، كذلك فإن إهانتنا للآخرين تؤدي إلى عدم الارتياح ، وتؤلم ، فإذا واجهنا إهانتهم برد فعل مماثل عندها يجب أن نلوم أنفسنا .
قال الصادق عليه السلام : « من يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل به » (3) .
رمز النجاح :
إن احترام شخصية الناس يؤدي إلى جذب المحبة ، وهو رمز النجاج والتوفيق . وإهانة وتحقير الناس وسيلة لإيجاد الحقد والعداء وسبب للحرمان والفشل ولكي يقف الشباب والشيوخ على أهمية تكريم بعضهم لبعض ، ويتعرفوا على دور ذلك في التفاهم الاُسري والاجتماعي بصورة أفضل
____________
(1) تحف العقول ص 32 وفيه من أساء إليها .
(2) وسائل الشيعة كتاب الجهاد ص 39 .
(3) بحار الأنوار ج 17 ص 184 .
________________________________________
( 3 )
سنتحدث في هذا الفصل عن هذا الواجب المهم دينياً وعلمياً ، وسندرس في البداية محيط العائلة ، ثم محيط المجتمع .
إن الاُسرة تتألف من فتى وفتاة ، وأب واُم في مرحلة الكهولة ، وجد وجدة كبيري السن ، مع عدد من الأطفال وخادم أو خادمة ، هم بمثابة دولة صغيرة . فالوالدان مسؤولان بالتعاون مع بعضهما البعض ، بالاُمور الإقتصادية وإدارة النظام الداخلي والمحافظة على مصالح الاُسرة ، فهما بشكل طبيعي ، يحكمان العائلة .
إن هذا ( البلد الصغير ) يكون منعماً بالأمن والهدوء والتعاون والتفاهم عندما يكون الوالدان ، أي السلطة الحاكمة ، يراعيان حقوق وحدود أعضاء العائلة ويحترمان شخصياتهم . ويتصرفان معهم على أساس الحق والفضيلة والعدل والإنصاف ، ومن جانب آخر يقوم أعضاء العائلة بأداء حقوق الوالدين ويحترمون شخصيتهما ، ويقدرون خدماتهما .
ولكي لا يصاب الشباب والكهول والشيوخ بحالة تطرف في الإندفاع أو عدم الإندفاع في احترام بعضهم بعضاً ، ولا يتجاوزا حدود المصلحة ، فمن الضروري :
أولاً : أن تعرف كل مجموعة حدها بشكل جيد ، وتتبين مطالبها الصحيحة والخاطئة وأن تتوقع احترام الآخرين بالمقدار المناسب .
ثانياً : أن تطلع على حدود الآخرين ، وتفصل بين توقعاتهم الصحيحة والخاطئة ، وتنظر بواقعية إلى حدود الاحترام الذي تستحقه ويستحقه الآخرون .
من الواضح أنه في هذه الصورة يستطيع أعضاء الاُسرة ، في كافة المراحل ، أن ينفذوا الحق والعدالة ، وأن يعملوا وفق تكليفهم الديني والعلمي ، وأن يؤدوا واجباتهم بشكل مرض في جو الاُسرة .
________________________________________
( 4 )
معرفة الحالة النفسية للشباب :
إن أول نقطة يجب الاهتمام بها في هذا البحث ، هي معرفة نفسية الشباب ، والاطلاع على مقتضيات مرحلة الشباب . وعلى الواليدن أن يعرفا أن ابنهما الشاب قد تجاوز مرحلة الطفولة ووصل الى مرحلة الشباب .
رغبة الحرية :
يحب الشاب بطبيعته الاستقلال والظهور ويريد أن يحرر نفسه وبسرعة ، من محدوديات مرحة الطفولة ، ويلتحق بمجموعة الكبار ، ويكون مستقلاً مثلهم . وهو لا يعلن عن مطالبه ، ولكن إذا لم يصل إلى هدفه ، ويحصل على حقه الطبيعي ، فإنه يتمرد ويطغى ، ويقوم بالأعمال غير الطبيعية ، ويتصرف بسوء ويصبح عنيفاً ، ولسان حاله يقول : احترموا شخصيتي ، اعتبروني مستقلاً وحراً ، وتصرفوا معي كرجل كبير .
على الوالدين أن يقبلوا هذا الواقع أي أن ابنهما الشاب لم يعد طفلاً ، ولا يجب أن يتصرفا معه كما كانا يتصرفان معه في مرحلة الطفولة ، ويلقيان عليه الأوامر بعنف وشدة ، وهذا هو ما أوصى به نبي الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قبل أربعة عشر قرناً ، وكذلك فإن علماء اليوم يعتبرون ذلك واحداً من البرامج التربوية الأساسية في كتبهم في حين أن أحاديث العلماء لا تعدو نظرية علمية وليس لها ضمان تنفيذي ، بينما تعاليم الأئمة هي واجب ديني ، يعتبرها أتباع الإسلام أمراً إلهياً وأنهم مكلفون بها وواجب عليهم معرفتها .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين » (1) .
مراحل العمر :
إن الإنسان طوال عمره ، يطوي ثلاث مراحل متمايزة :
____________
(1) مكارم الأخلاق ص 115 .
________________________________________
( 5 )
1 ـ مرحلة النمو ـ الطفولة والشباب .
2 ـ مرحلة التوقف ـ الكهولة .
3 ـ مرحلة النقصان ـ الشيخوخة .
وبنظر الكثير من العلماء ، أن سن الحادية والعشرين هي نهاية مرحلة الشباب ، ففي هذه السن ينتهي نمو البدن ، والعظام تكون قد استقامت تقريباً ووصلت إلى نموها النهائي ، وبعد ذلك إذا حصل نمو فإنه يكون طفيفاً .
والإنسان منذ الولادة وحتى سن الحادية والعشرين ، يكون عرضة لتحولات وتغييرات مستمرة ، ويتغير وضع جسمه ونفسه ، والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد قسّم الامتداد الزمني لمراحل النمو الذي يصيب وضع الجسم والنفس لدى الأبناء وكيفية تصرفاتهم تجاه الوالدين ، إلى ثلاثة أقسام كل قسم سبع سنين .
السنوات السبع الاولى والثانية :
الطفل في السنوات السبع الاولى من عمره ، يحكم والديه ، لأن فكره لم ينضج بعد ، وجسمه ضعيف ، ولذا ينظر الوالدان إليه بعين الرأفة والرحمة ولذا فهما مجبران على إطاعته ، يلبيان طلباته ويطيعانه ، ولهذا السبب قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم « الولد سيد سبع سنين » . وفي السنوات السبع الثانية تحدث تغييرات وتحولات ملحوظة في جسم ونفس الطفل ، يقوى جسمه ، ويزداد إدراكه ، لدرجة أنه يميز بين الطيب والخبيث ولهذا السبب يؤاخذ من قبل والديه ومديره ومعلمه .
ولكن بما أن عقله لم يكمل بعد ولا يستطيع أن يميز بين الصلاح والفساد بصورة صحيحة فإن والديه يأمرانه بحزم ويذكرانه بواجباته وهو من جانبه مجبر على إطاعة والديه وينفذ أوامرهما . ولذا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم « وعبد سبع سنين » للوالدين .
________________________________________
( 6 )
السنوات السبع الثالثة :
إن السنوات السبع الثالثة من العمر تبدأ من سن الخامسة عشرة حيث مرحلة البلوغ والشباب ، وفي هذه المرحلة تتغير أفكار وجسم الابن بصورة كاملة ، وتظهر تحولات ملحوظة في الجسم والنفس ، وتزول مميزات الطفولة ، وتظهر معالم الرجولة بوضوح ، وقد وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذه المرحلة بكلمة ( وزير ) ، حيث إن الابن لن يكون كما في المرحلة الاُولى سيداً على الوالدين ، ولا في المرحلة الثانية عبداً لهما ، وإنما يقوم بدور الوزير في دولة الاسرة . و ( الوزير ) لغوياً لها معانٍ كثيرة ، فهو الشيء الذي يحمل على عاتقيه مسؤولية كبيرة ، والطفل ، قبل بلوغه ، لا يتحمل مسؤولية في العائلة . ولكن عندما يصل سن البلوغ عليه أن يتحملها ، ويحمل بعضاً من أعباء العائلة .
( والوزارة ) بمعنى المساعدة والتعاون فكرياً في التدبير وفي رعاية المصالح . فعلى الشاب أن يكون معاوناً للوالدين في محيط الاُسرة . يتشاور معهما ويبادلهما الرأي ، فيساعد والديه في تدبير اُمور الحياة .
تعامل الأبوين مع الأبناء :
والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم باستخدامه كلمة ( وزير ) شخّص من جهة حالة بروز الشخصية والاستقلال لديه وعزمه كوزير مسؤول في محيط الدولة الصغيرة ( الاُسرة ) ، ومن جهة اخرى أفهم الوالدين أن لا يتصرفا مع شاب اليوم تصرفهم مع طفل الأمس ، ولا يتحدثا إليه بإصدار الأوامر بعنف ولا يحتقرا شخصيته ، فطفل الأمس كان عبداً مطيعاً أما شاب اليوم فهو وزير ومشاور لهما .
لو نظر الوالدان المدركان والشباب الأذكياء بدقة إلى حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وتعمقوا فيه لأدركوا قيمة هذا الحديث الشريف وعرفوا كيف يمكن الاستفادة من الكثير من المواضيع التي جاء بها علماء اليوم بعد دراسة وتحقيق ودونوها في كتبهم النفسية ، وهي موجودة في هذا الحديث القصير .
________________________________________
( 7 )
ضرورة استقلال الشباب :
« يقول الدكتور ( هارِس ) : إن الشباب كائنات مستقلة ويجب عليكم أن تعتبروهم أصحاب شخصية ، وفي مرحلة البلوغ أكثر من أي زمن آخر يريد الشاب أن يُصبح مهماً ويهتم به ، ويحتاج بشدة أن يعتبر صديقاً وشريكاً ، فكم يُسمع من الشباب ( ليت الكبار يتحدثون إلينا مرة بجد ) والحقيقة أن هؤلاء الشباب يحتاج إليهم في العالم كأي رجل وامرأة » (1) .
« إن حاجة الشباب إلى الاستقلال تماماً كحاجة الطفل إلى الحماية والتعليم . إن تمرد الشباب للوصول الى الاستقلال أمر طبيعي ، ويصبح هذا التمرد مشكلة عندما يسعون للوصول إلى الاستقلال بالوقوف بوجه الوالدين » (2) .
حق ابداء الرأي :
« لا شيء أكثر تأثيراً في تربيتهم من حق إبداء الرأي ، فلابد من منحهم حق إبداء الرأي في البيت والمدرسة تماماً كما للشعب الأمريكي هذا الحق . ( لا أمتلك وقتاً للتوضيح وافعل ما قلته لك ) إن هذا القول يجب أن يقال وقت الحريق : لكن أن نقول : ( كن في الساعة الفلانية في البيت ولا تجادل ) ، ثم نُشغل أنفسنا بقراءة الصحيفة . فبهذا نكون قد سلكنا مسلكاً خاطئاً » (3) .
إن إعطاء الاستقلال للشباب وتكريم شخصيته لا يعنيان أن يكون حراً في جميع أعماله لكي يدخل في أي محيط فاسد كما يشاء ، أو يجالس صديقاً منحرفاً ، وأن يؤدي ما يشاء من الأعمال ، وفي النتيجة يُصبح شخصاً متمرداً عاصياً . إنه لخطأ ارتكبه العالم الغربي عندما منح الشباب حرية أكثر مما
____________
(1 ـ 2) المشاكل الروحية للشباب ص 73 و 47 .
(3) المشاكل الروحية للشباب ص 62 .
________________________________________
( 8 )
تقتضيه المصلحة ، ولهذا يواجه الآن مشاكل ومصائب .
مخاطر الحرية المطلقة :
إن الشباب الذين لهم طبع ناري وإدراك ضعيف هم دائماً عرضة للتعاسة والسقوط ، إن هؤلاء ، طبقاً لما تقتضيه السن ، ينجذبون نحو اللهو واللذات ، ولو أنه كانت لهم الحرية المطلقة لاُصيبوا بأنواع الخطايا والشرور والفحشاء ، وعدم العفة ، والإدمان المضر ولسقطوا بسرعة في الفساد والمهاوي الاخرى .
إن الشباب ، لا تجربة لهم ، وهم لا يرون في الغالب نهاية الأعمال ، ويعجزون عن تمييز الطيب من الخبيث ، والخير من الشر ، والصلاح من الفساد ، كما أنهم لا يفهمون أنفسهم . إنهم لا يستطيعون أن يسيروا في طريق الحياة وحدهم ، أو يجتازوا النقاط الخطرة التي تعترض طريقهم بسلامة . ولو منحوا الحرية المطلقة فإنهم سينحرفون عن الصراط المستقيم ، ويسيرون في ضياع ويسقطون في منحدرات الحياة .
عدم الاطمئنان النفسي :
« طبعاً ليس المقصود من الاستقلال والحرية وحق إبداء الرأي ووجهات النظر ، أن يترك الشباب لحالهم في البيت أو المدرسة ، لكي يفعلوا ما يريدون ، إن هذا الأمر يوجد لديهم حالة من القلق وعدم الأطمئنان النفسي . لا شك أنهم لا يستطيعون متابعة مسيرة الحياة وحدهم فلابد من مد يد العون لهم » (1) .
الحرية المحدودة :
من كلمة ( الوزير ) الواردة في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نرى بوضوح محدودية حرية الشباب ، لأن ( الوزارة ) بمعنى المساعدة والتعاون ، فالإبن الشاب ، رغم أنه وصل إلى مقام الوزارة في دولة العائلة ، تحترم شخصيته إلا
____________
(1) المشاكل الروحية للشباب ص 62 .
________________________________________
( 9 )
أنه يجب أن لا ينسى أنه ( وزير ) أي مساعد ومعاون للوالدين ، وهو لا يملك الاستقلال والحرية الكاملة . فالشاب له حق إبداء الرأي في المسائل العائلية ، وأن يساعد الوالدين ، ولكن التصميم النهائي في شؤون العائلة ، يتعلق بالوالدين . وعليه فإنه في مدرسة الإسلام التربوية يكون الاستقلال محدوداً ولا يمكن أن يكون مطلقاً بدون قيد أو شرط . إن هناك ارتباطاً ووحدةً بين أفراد العائلة ، وهم شركاء في الخير والشر والسراء والضراء ، ولا يحق للشباب أن يسيئووا استغلال الحرية والاستقلال ، ويتعرضوا لأسوأ النتائج من جراء سوء تصرفهم ، وبذا يصبحون مصدراً للفضيحة والإساءة للوالدين وبقية أفراد العائلة .
عطش الاستقلال :
الشاب ، بشكل طبيعي له عطش للاستقلال والشخصية ، وهذه الرغبة خلقت معه بحكمة الله تبارك وتعالى ، فقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إن الابن ( وزير سبع سنين ) وهذا يعني أن الوالدين يجب أن يتصرفا معه باعتباره ( وزيراً ) وهكذا يلبيان طلباته الطبيعية ، ويحترمان شخصيته واستقلاله ، لكي يخلقوا منه شخصاً مفيداً ولائقاً للمجتمع .
وعندما يهتم الوالدان بطلبات ابنهم الطبيعية ، ويعملان وفق أوامر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فإنه سينشأ معتمداً على نفسه ويكون ذا شخصية ، وفي المستقبل يكون إنساناً مستقلاً ذا إرادة ، وعنصراً مفيداً وثميناً ، يستفيد منه المجتمع .
تشدد الأبوين :
وإذا لم يهتم الوالدان برغبات أبنائهم الشبان ، ولم يلتفتا إلى قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ووقفا بصلابة وخشونة وعنف بوجه رغبات أبنائهما في الاستقلال واحتقرا هذه الرغبات وأهاناهم وقمعا شخصياتهم ، أو قاما بالتدخل في أعمال أبنائهما متجاوزين الحدود على أعتبار أنه واجبهما في المسؤولية عليهم ، أو سلبا منهم فرصة التفكير بالإشراف عليهم دون حساب ،
________________________________________
( 10 )
أو حمايتهم دون مبرر فإنهما يقطعان عليهم فرصة الاعتماد على النفس ، وبهذا سوف يعتمدون على الآخرين ، ونتيجة هذا التصرف غير الصحيح يمكن أن تظهر على شكلين غير مرغوبين في أبنائهما الشبان .
أولاً : من الممكن أن يفقد الشاب مقاومته إثر الضغوط الشديدة والإشراف المتعب من قبل الوالدين فيستسلمون للشروط الموجودة ، وينصرفون عن طلب الاستقلال . طبعاً مثل هذا الشاب سيكون شاباً منسجماً مع الوضع الذي هو فيه ، ولا يخلق المتاعب لوالديه ، ولكن هذا النوع من التربية يقتل الكفاءات الكامنة لدى الشاب ، ويجعله ضعيفاً ، متخلفاً لحرمانه من الاستقلالية والاعتماد على النفس وفي المستقبل سيكون من جملة الأفراد التعساء والبؤساء .
تدخل الوالدين :
« عندما ينشأ الشباب معتمدين على الأخرين ولا يتمنون الاستقلال فإن المدرسة والبيت سيكونان هادئين بوجودهم ، ولكن سيكون لهم مستقبل غير ثابت ، لم تكن والدة فيليب لتدرك هذه القضية ، كما أنها لا تستطيع في المرحلة الثانية أن تفهم سبب فشل فيليب ، حيث إنها كانت دائماً تتدخل في كل مسألة له ولم تكن تسمح له حتى بأداء أعماله الشخصية . فهي لم تكن لتعرف أن سبب فقدانه الشخصية وفشله ناتج عن هذه التدخلات غير الصحيحة ، كان فيليب يحب الوحدة ويكره المدرسة ، ولم تكن لديه القدرة على اتخاذ أي تصميم حول أي موضوع ، وكان فيليب يعيش تحت إشراف اُمه ، فهي تعين له أين يذهب ، وماذا يلبس ، وماذا يقول وفي النتيجة لم يكن هناك عناء لكي يجد فيليب اسلوباً لنفسه ، فقد كانت اُمه هي التي تخطط له كل شيء ، تشتري له الملابس وتنظم له برامج عُطله . بل كانت هي التي تعين له الفرع الذي يجب أن يدرس فيه ، وكانت نتيجة هذه
________________________________________
( 11 )
القدرة وتدخل الاُم ، أن نشأ شاب مثل فيليب ابناً لا يقدر على تحمل أية مسؤولية ، ليس قادراً على الاعتماد على نفسه ، كما لم يكن هناك من قام بتربيته على أساس أن يتقبل المسؤولية والاستقلال ، كان يلعب كرة القدم ولكنه كان فاشلاً . أصغر الأطفال كانوا يستطيعون ضربه ، كان يجيد السباحة جيداً لكنه لم يكن مستعداً لترأس فريق السباحة ، وكان يقول لا اُريد أن أجذب انتباه أحد ، ولم يكن يندفع لمعرفة وتدقيق وتفحص وميل نحو أي أمر ، كما لم يكن يبحث عن أية مسألة ولا يبدي أية علاقة تجاهها لكي لا يتحمل بالتالي أية مسؤولية ، فقد كان يخشى من قبول أية مسؤولية » (1) .
التشدد والتنازع :
ثانياً : إن الشاب الذي يعتمد على نفسه وتكون له إرادة قوية يقف بثبات أمام ضغوط الوالدين غير الصحيحة ولن يغض النظر للتخلي عن شخصيته واستقلاله الذي هما من حقوقه الطبيعة والشرعية وفي هذه الحالة التي يشتد فيها الاختلاف ، يبدأ التمرد والطغيان وينقلب جو الأسرة إلى ساحة للصراع والمشاجرة والصياح والخشونة ، والدموع والبكاء والقلق والاختلاف والتضاد كل هذه الحالات ستصبح برنامجاً عادياً لمثل هذا البيت وكلما زاد الوالدان من ضغطهما ازدادت المشاكل .
« إن المرحلة الأخيرة للانقلاب الروحي للشباب ، هي عدم الرضى والبؤس والحزن ، وتأتي هذه المرحلة عندما يبدأ الكبار بزيادة تحكمهم ، بهدف حفظ احترامهم ومكانتهم ، بينما الاحترام هو وليد حسن العلاقة والمحبة وكلما ازدات الشدة وقام الكبار بمراقبة الشباب والضغط عليهم كانت النتيجة انفصال الشبان وهروبهم » (2) .
____________
(1) المشاكل الروحية للشباب ص 62 .
(2) المصدر السابق ص 62 .
________________________________________
( 12 )
إن الوالدين المسلمين اللذين يريدان تربية ابنٍ شاب ذي شخصية إنسانية لائقة ، عليهما أن يعملا بقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وينفذا أوامره المثمرة كما يجب عليهما أن يعتبرا الشاب وزيراً للاُسرة ، ويحترما شخصيته ويستشيراه في الشؤون الداخلية ، ويدرسا آراءه ، وبهذه الطريقة يلبيان طلبه في الاستقلال .
الاحترام وراحة البال :
إن الشاب الذين يكون عضواً مؤثراً في جو الاُسرة ويعتبر والداه شخصيته كشخصية الكبار ويحترمانه ، سوف يليق به الاستقلال والحرية وسيكون هذا الشاب صاحب نفس هادئة وضمير مطمئن ولا يحس بحقارةٍ أونقص . إن هذا الشاب ، لكي يحافظ على مقامه السامي ومنزلته لدى الآخرين ويثبت لياقته لإحراز الاستقلال والحرية ، يسعى للإبتعاد عن الخطايا والأعمال السيئة وأن لا يصيب شخصيته نقص يستوجب احتقار وإهانة الآخرين .
قال علي عليه السلام : « من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية » (1) .
إن الشاب الذي تقمع شخصيته ، ويهان ولا يحترم في العائلة ويحتقره والداه بكلمات نابية وتصرف خشن ويحتقر انه لأنه شخص غير جدير بالاستقلال والحرية ، هذا الشاب يكون دائماً في حالة عصبية غاضبة ، وهو نتيجة الحاقرة التي يشعر بها يكون ضعيفاً معرضاً للأصابة ، ومن الممكن أن يخضع بسرعة للذل ويقع بسهولة في أحضان الخطايا .
جهل الوالدين :
على أية حال ، مع وصول مرحلة الشباب ، تبدأ أيام بناء شخصية الشاب ، والوالدان اللذان يدركان واجبهما تماماً ويعملان طبق أوامر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، يحترمان أولادهما ويعتبرانهم وزراء ومشاورين لهما وبذلك يجعلان منهم أصدقاء حميمين ورفقاء وزملاء لهما .
____________
وأما الوالدان الجاهلان فإنهما يقضيان على الحقوق الطبيعة والشرعية لأبنائهما الشبان ، كما يدمران عزة النفس والشخصية لديهم بالإهانة والتحقير والأعمال غير الصحيحة ، وبهذه التصرفات السيئة ينثران بذور العداوة والبغضاء في قلوبهم ، ويجعلان منهم أعداء لهما .
قال الإمام علي عليه السلام : « ولدك ريحانتك سبعاً وخادمك سبعاً ثم هو عدوك أو صديقك » (1) .
الأبوان المسؤولان :
إن الوالدين اللذين يربيان أبناءهما بشكل صحيح من حيث التصرف والكلام فإن هؤلاء الأولاد ينشأون بقلوبٍ طاهرة ، وفضيلة عامرة ، تشملهم الألطاف الإلهية ، ونبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم دعا لهم بالخير .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما » (2) .
أما الوالدان اللذان يربيان أولادهما تربية سيئة بالإهانة والأعمال الحقيرة وغير المشروعة ، فإنهما يدفعان بهم إلى حالةٍ انتقامية وإلى الخطيئة والعدوان فيشملهم عذاب الله عز وجل .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا علي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما » (3) .
شرط التفاهم :
النتيجة المستحصلة أن تكريم الشبان واحترام شخصياتهم واستقلالهم هو أحد الشروط الأساسية لحسن التفاهم الاسري .
فقد كرم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الشاب من جهة ، ومن جهة اخرى فقد
____________
(1) شرح ابن أبي الحديد 20 كلمة 937 ص 343 .
(2) مستدرك الوسائل ج 2 ص 625 .
(3) بحار الأنوار ج 17 ص 18 .
________________________________________
( 14 )
حث الوالدين على أن يقوما بتربية الأولاد على أحسن وجه وأن يقوما بوظائفهما تجاه أولادهما خصوصاً وقت الريعان والشباب .
الأبناء والشعور بالمسؤولية :
الشرط الثاني لتفاهم الشبان والكبار في جو الاُسرة ، هو وجوب أن يعرف الشبان أيضاً حق الوالدين ويحترموا شخصيتهما ، وبعبارة اخرى ، إنه لا يكفي أن يعرف الوالدان واجبهما وأن يحترما شخصية أبنائهما ، لحسن التفاهم بين الشبان والكبار ، بل على الشبان أيضاً أن يعرفوا بالمقابل واجباتهم في حفظ حقوق وحدود الوالدين واحترامهما ، وأن يكرموا شخصيتيهما ، وقد جاء هذا الموضوع في القرآن الكريم وفي الروايات الإسلامية والأحاديث الشريفة مع التأكيد .
حقوق الوالدين :
قال تعالى : ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا ) (1) .
قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسيره للأية : « معناه لا تملأ ع********* من النظر إليهما إلا برأفة ورحمة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يديك فوق أيديهما ، ولا تتقدم قدامهما » (2) .
عن الباقر عليه السلام قال : « سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم حقاً على الرجل ؟ قال : والداه » (3) .
عن أبي جعفر عليه السلام قال : « نظر أبي إلى رجل ومعه ابنه يمشي والإبن متكئ على ذراع الأب : قال : فما كلمه أبي مقتاً له حتى فارق الدنيا » (4) .
____________
(1) سورة الإسراء ؛ آية : 24 .
(2) مجمع البيان ج 6 ص 411 .
(3) مشكاة الأنوار ص 158 .
(4) مجموعة ورام ج 2 ص 208 .
________________________________________
( 15 )
فقه الرضا عليه السلام : عليك بطاعة الأب وبرّه والتواضع والخضوع والإعظام والإكرام له ، إلى أن قال وقد قرن الله عز وجل حقهما بحقه فقال تعالى :
( اشكر لي ولوالديك إليّ المصير ) (1) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « رضى الله في رضى الوالدين وسخطه في سخطهما » (2) .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم « نظر الولد إلى والديه حُبّاً لهما عبادة » (3) .
إن عمل الخير للوالدين واحترامهما واحترام شخصيتهما واجب إسلامي تماماً ويجب أن يكون ذلك برنامجاً ثابتاً ودائماً في المجتمع الإسلامي ، وعبر الأجيال ، ويكون حديث الأبناء عن الوالدين مقروناً بالأدب والإحترام .
المحافظة على سنة الاحترام :
إن فتيات وشبان اليوم هم أمهات وآباء المجتمع في الغد ، ولو أن شباب اليوم راعوا واجب التكريم والاحترام لوالديهم ، وحفظو هذه السنة الإلهية في المجتمع ، فإنهم غداً سيكونون موضع تكريم من قبل أبنائهم وينعمون في هذه السعادة .
قال الصادق عليه السلام : « بروا آباءكم تبركم أبناؤكم » (4) .
إذاً فالشرط الثاني لحسن التفاهم بين الكبار والشبان في العائلة هو تكريم واحترام الوالدين . إن الأبناء الشبان مكلفون أن يتصرفوا مع والديهم بكمال التواضع والأدب ، وأن يحترموهما منتهى الاحترام وبهذا يجلبون رضاهما الذي هو من رضى الله تبارك وتعالى .
____________
(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 627 .
(2) مستدرك الوسائل ج 2 ص 627 .
(3) تحف العقول ص 46 .
(4) بحار الأنوار ج 17 ص 184 .
________________________________________
( 16 )
تكريم الكبار :
إلى جانب احترام شخصية الأبناء الشبان والوالدين ، لابد من تكريم الجد والجدة طبقاً لتعاليم الإسلام ، وهذا هو الشرط الثالث لتفاهم الشبان والكبار في محيط الاُسرة ، وقد وردت ضرورة إجلالهم وتكريمهم في القرآن الكريم والروايات الإسلامية بصراحة ، كما أوجب ذلك أولياء الإسلام حيث طالبوا من أتباعهم حفظ حقوق ورعاية حدود الجد والجدة .
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اُف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ) (1) .
روي عن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده أبي عبدالله عليه السلام قال : « لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من ( اُف ) لأتى به » (2) .
الاسلام والشيوخ :
هناك عناية كبيرة بالشيوخ في الدين الإسلامي ، فقد دعا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والآئمة الطاهرون عليهم السلام أتباعهم إلى تكريم الشيوخ واحترامهم ، وقد قدمنا القيمة المعنوية والإجتماعية لاحترامهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « البركة مع أكابركم » (3) .
تجارب الشيوخ :
رأى الشيوخ الكثير طوال عمرهم وذاقو حلو الحياة ومرها كما أنهم حصلوا على دروس كثيرة من مدرسة الحياة ، وهؤلاء رغم أن أجسامهم ضعفت ، وفقدوا الكثير من القدرة والحركة والنشاط ، ولكنهم اكتسبوا تجارب قيمة ، ويعرفون الخير والشر ، ويفسرون المسائل بشكل أفضل ، ويستطيعون
____________
(1) سورة الإسراء ؛ آية : 23 .
(2) مجمع البيان ج 6 ص 409.
(3) وهج الفصاحة ـ كلمة 1103 ص 398 .
________________________________________
( 17 )
كالقادة الدينيين أن ، يكونوا هُداةً للآخرين ، ويدلون الشباب والرجال على خيرهم وسعادتهم .
قال الصادق عليه السلام : « الشيخ في أهله كالنبي في اُمته » (1) .
كانت بين بعض الأقوام والقبائل عادات عجيبة بالنسبة للوالدين المعمرين ، إذ كان الأبناء طبقاً لعقيدة خرافية ، أو مراسم محلية يتصرفون بظلم مع آبائهم المسنين وينهون حياتهم بطريقةٍ غير إنسانية .
خرافات بعض القبائل :
« أهالي الجزيرة ( فيجي ) يعتقدون أن أي شخص يحتفظ بقواه البدنية والروحية التي هو عليها لدى موته في العالم الآخر ، ولذا فإن الشخص عندما يصل إلى الشيخوخة فإنه سيبقى كذلك إلى الأبد ، ولهذا السبب فإن الإبن الذي يحترم والديه يستطيع أن يقتلهما بضمير هادئ ، وهو يعتقد أنه قدم أكبر خدمةٍ لهما » (2) . .
وأد الشيوخ :
« يقول ويل ديورانت : سكان ملانزي يدفنون المرضى العجائز أحياءً ويعتبرون ذلك وسيلة جيدة للخلاص من بقاياهم » (3) .
« يقول راسل : لقد كان التعاون الإجتماعي في الأساس مبنياً على القوة والقدرة وعلاقات الوالدين بأبنائهما ، طالما هم صغار ، فهي مبنية على القوة والقدرة ، وعندما يكبر الأبناء ويضعف الوالدان ، ينقلب الوضع ، بعض القبائل كانوا يبيعون الوالدين الضعاف إلى القبائل المجاوزة آكلة لحوم البشر ، ولذا كانوا يتقصدون في تكاليف العيش . ولكن عندما كان الآباء في عنفوان الشباب حالوا
____________
(1) لئالىء الأخبار ـ ص 181 .
(2) علم النفس الاجتماعي ج 1 ص 180 .
(3) مباهج الفلسفة ص 85 .
________________________________________
( 18 )
دون ذلك ووقفوا بوجه هذه العاقبة السيئة ، حيث إنهم بدأُوا تعليم الأبناء منذ الصفر فضيلة المحبة العطف » (1) .
الشيوخ وعالم اليوم :
في عالم اليوم ، حيث إن المبادئ الإيمانية ومكارم الأخلاق سارت نحو الضعف ، وفقدت العواطف الإنسانية والاُلفة العائلية قيمتها في عالم أصبح أساس الحياة فيه مبنياً على اللذة والشهوة ، وأصبح الهدف الأساس للناس جمع الثروة أكثر فأكثر ، فإن وضع الوالدين أصبح مؤسفاً ، حيث لا إيمان كامل في قلوب الأبناء ليكرموا الوالدين في سبيل الله ، وليس لديهم للفضائل الأخلاقية قيمة حتى يحترموهما لما لهما من حق .
انعدام عاطفة الشباب حيال الشيوخ :
والشباب والكهول يسيرون بسرعة نحو أهدافهم المادية ، وليس فقط لا يعيرون أهمية لوالديهم المسنين ، بل يعتبرونهما سداً ومانعاً أمام تقدمهم ولذا يسعون لإبعادهما عنهم ليتخلصوا من عبئهما .
إن الأشخاص الذين عاشوا عمرهم لوحدهم ، ولم يؤسسوا عائلةً منذ البداية ولا يملكون زوجة ولا أبناء ، أو كانوا لديهم ثم فقدوهم ، عندما يصل هؤلاء إلى مرحلة الشيخوخة يعانون من ( مشكلة ) واحدة هي ( الشيخوخة ) . ولكن الوالدين اللذين أمضيا أكثر من نصف قرن وتحملا أعباء تكوين عائلة وصرفا في هذا السبيل عمرهما وأموالهما على أبنائهما وبناتهما ، لو حرما في وقت الشيخوخة من المحبة ، وأحياناً يواجهان التحقير وعدم الاحترام من الأبناء والأحفاد فإنهما يصابان بمصيبتين ، مصيبة الشيخوخة ومصيبة الإهانة وفقدان المحبة . ولا شك أن القلق النفسي والضغوط الروحية التي يصابان بها هي أقسى بكثير من المصيبة الاُولى . لحسن الحظ أن مجتمعنا الذي أكثر سكانه من
____________
(1) الآمال الجديدة ص 99 .
________________________________________
( 19 )
المسلمين ، الناعمين بتعاليم الإسلام ، يعطفون ويكرمون الوالدين عند الشيخوخة ، ولذا نرى الوالدين المسنين يحظون بنوع من المحبة والاحترام ، ولكن في الدول الغربية قلّت بشكل ملحوظ مكانة الوالدين المسنّين ، وفي بعض الأحيان يصابان بوضع مؤسف بحيث يقدمان على الانتحار بسبب الضغوط والوضع النفسي السيء لهما . وأحياناً يكون الأبناء العاقون هم الذين يمهدون لموت الوالدين .
انتحار المسنين :
« الموضوع الملفت للنظر ، هو التفكير والإقدام على الانتحار لدى المسنين فحسب الإحصائيات في الدول الأوروبية أن نسبة الانتحار في صفوف المسنين كبيرة ، والانتحار في الغالب ينشأ عن عامل خارجي مثلاً أزمة مالية ، أو عدم وجود محبة من قبل الآخرين ، وقليلاً ما تكون الأسباب داخلية » (1) .
جريمتان في عائلة واحدة :
« ذات يوم من عام 1967 في ناحية بالقرب من مدينة (ROUEN) الفرنسية ، يعلن شاب اسمه فرانسوا في حالة سكر أنه قتل جدّته . فلا يعيره الناس أهمية ويعتبرونه سكراناً ، ولكن الشرطة المحلية تفكر في التحقيق ، فيظهر أن كلام فرانسوا لم يكن عبثاً وأنه حقاً قتل جدته . والحكاية أن السيدة جولين والدة فرانسوا تتبرم من بقاء اُمها العجوز لديها في البيت ، وأنها تعبت منها ، وأن ابنتها جانين على وشك الزواج ، فهي وخطيبها يريدان إبعاد العجوز عن البيت بسرعة لكي يتزوجا براحة ، وذات ليلة يتشاور الجميع ويتفقوا على أن يقوم فرانسوا بخنق الجدة ، فتم ذلك ومن الطبيعي أن موت امرأة عجوز ، عاجزة ، ليس أمراً مهماً يلفت
____________
(1) مجلة نقابة الأطباء في إيران ، السنة الثانية العدد 6 ص 426 .
________________________________________
( 20 )
النظر ، وسكان الناحية اعتبروا المسألة عادية ، وطبيب القرية يكتب تقرير الوفاة دون تحقيق ، وتتم مراسم الكنيسة والدفن بشكل عادي ، وحتى ذلك اليوم الذي يهتدي فيه فرانسوا حيث يتم الكشف عن الجريمة ، وعلى أثر الكشف عن هذه الجريمة راود الشرطة الشك بشأن وفاة الجد الذي حدث قبل مدة قصيرة من موت الجدة فتعترف السيدة جولين وابنتها أنهما اتفقتا مع خطيب الفتاة وقامت جاكلين الإبنة الصغرى للسيدة جولين برش سم الفئران بصورة تدريجية للجد حتى مات ودفن وتخلصوا من مزاحمته لهم لكي يجلسوا إلى التلفزيون براحة ، النتيجة أن السيدة جولين وابنها وابنتها وخطيب ابنتها كانوا متعاونين في ارتكاب الجريمتين وبقي زوج السيدة جولين غافلاً عن كل شيء وربما فكرت زوجته وأبناؤه في التخلص منه لضيق المكان . وحكمت المحكمة على الزوجة وابنها فرانسوا بالسجن المؤبد ، كما حكمت على جانين بالسجن عشرين سنة وزوجها عشر سنوات ، وعلى جاكلين بالسجن لمدة يمكن استبدالها بغرامة مالية » (1) .
تأسيس دار العجزة :
إن الأوضاع المؤسفة للشيوخ خلقت مشاكل في الغرب ، مما دعت مسؤولي بعض الدول إلى تأسيس دور للشيوخ والعجزة في نقاط مختلفة يجمعون فيها الشيوخ ويهيئون لهم وسائل الحياة لكي يخففوا بعض الشيء من مآسيهم .
إن تأسيس هذه المراكز للمسنين الذين لا أحد لهم ، أو الفقراء ، أو المرضى منهم ، أو من يأتي بنفسه للعيش هناك ، هو عمل إنساني يقوم به المجتمع ، لأن هذا العمل يحل جزءاً من مشكلات هؤلاء ويخفف من الآمهم . ولكن من المؤسف أن يتخذ الأبناء والأحفاد هذه المراكز وسيلة
____________
(1) مجلة نقابة الأطباء في إيران ، السنة الثانية العدد رقم 6 ص 386 .
________________________________________
( 21 )
للوصول إلى أغراضهم غير الإنسانية وغير الأخلاقية ، فليس إنصافاً إبعاد الجد والجدة بالقوة والإكراه من العائلة إلى هذه المراكز وسحق عواطفهم ومشاعرهم ، وتحقير شخصياتهم ، وزيادة أحزانهم ، ومن ثم الإسراع في موتهم .
العمر يمضي بسرعة ، ولا ينقضي الوقت حتى يصل الشبان إلى مرحلة الكهولة ومن مرحلة الكهولة إلى مرحلة الشيخوخة ، وأنتم يا شباب ويا رجال اليوم تعالوا وفكروا في غدكم ، في شيخوختكم ، وقوموا اليوم بأمر القرآن الكريم بعمل الخير لوالديكم الشيوخ ، وراعوا الحقوق الإنسانية لهم ، لكي يقوم أبناؤكم غداً بالإحسان إليكم ومراعاة حقوقكم .
تعالوا للحفاظ على هذه السنة الإسلامية المقدسة في محيط الاُسرة لتنتقل من جيل إلى جيل ، لكي يأخذ الأطفال وشباب اليوم درساً في احترام الوالدين ويقوموا بذلك لكم غداً .
نتيجة البحث :
إذاً إن أحد شروط التفاهم ، من وجهة النظر الدينية والعلمية هو أن تحترم شخصية الشبان والكهول والشيوخ ، واحترام كل فئة حقوق الفئات الاخرى ، بحيث لا يشعر أي شخص في الاُسرة بالقلق وعدم الاطمئنان ، بل يكون مطمئناً أن حقوقه محفوظة ولا تتعرض لاعتداء الآخرين . والشرط الآخر من الشروط الأساسية لتفاهم المسنين والشباب هو احترام شخصية واستقلال وحرية جميع أفراد المجتمع .
وكما أن رعاية حقوق وحدود جميع أفراد الدولة الصغيرة ـ أي الاُسرة ـ تبعث على الأمن والاستقرار وراحة البال وتكون سبباً للوحدة فيما بينهم ، كذلك في العائلة الكبيرة للبلاد فإن الشرط الأساسي للتفاهم الإجتماعي ، واحترام حقوق وشخصية جميع أفراد البلاد هو رعاية هذه الحقوق .
________________________________________
( 22 )
حرية الفرد :
في البلاد التي تكون فيها الحرية الفردية والحقوق الإجتماعية للرجل والمرأة والشيوخ والشبان ، وكذلك الكبار والصغار ، بل لجميع الأفراد ، مصونة من التعرض والعدوان ، فإن هذه البلاد تكون مهداً لحسن التفاهم ومركزاً للمحبة والألفة وبالعكس ، فالبلاد التي تكون فيها شخصية وحرية الافراد غير محترمة ، يتغلب فيها الأقوياء على الضغفاء ، ويتعرضون لمال وحياة وشرف الآخرين ، فإن هذه البلاد تكون أسيرة للاختلافات تدب فيها نيران الحقد والعداء ، وتتوفر الفرصة للإنتقام .
الأخوة الإسلامية :
لقد استطاع نبي الإسلامي صلى الله عليه وآله وسلم بقوة الإيمان ، أن يزيل الحقد والعداء من القلوب ، ويوجد في مجتمع المسلميذن رابطة الاُخوة والمحبة ، ويشركهم في الأفراح ، ويوجب على أتباعه أن يتصرفوا طبقاً للقانون والأخلاق بالخير مع الجميع وعلى نطاق واسع ، ويدعوهم إلى البر وعمل الخير ، وبذا ركز بينهم أساس المحبة الإجتماعية والعواطف الإنسانية أكثر فأكثر .
التعاون الاجتماعي :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لو اجتمعتم على البر لتحاببتم » (1) .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله ولداً أعان والديه على بره ، ورحم الله والداً أعان ولده على بره ، ورحم الله جاراً أعان جاره على بره ، ورحم الله رفيقاً أعان رفيقه على بره ، ورحم الله خليطاً أعان خليطه على بره ، ورحم الله رجلاً أعان سلطانه على بره » (2) .
في هذا الحديث الشريف ، جاء الوالدان والأبناء ، والرفيق والجار ، والناس والدولة ، أي جميع أعضاء العائلة والمجتمع ، جاؤوا في صف واحد ،
____________
(1) مجموعة ورام ـ ج 1 ص 134 .
(2) وسائل الشيعة ج 4 ـ كتاب الأمر بالمعروف ص 97 .
________________________________________
( 23 )
والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم دعا الجميع إلى عمل الخير ، وطلب من الله تبارك وتعالى الرحمة والعناية للجميع .
ينظر الدين الإسلامي إلى مجتمع المسلمين من حيث العلاقات المعنوية وإفشاء المحبة واحترام الشخصية فيما بين أفراده على أنهم عائلة واحدة ولهذا السبب أوصى أئمة الإسلام عليهم السلام أتباعهم المسلمين ، صغاراً وكباراً ، أن يعتبروا المسلمين كأعضاء عائلاتهم يشملونهم بالعطف والخير .
قال الإمام الصادق عليه السلام : « أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولداً ، وأوسطهم أخاً وكبيرهم أباً ، فارحم ولدك وصل أخاك وبر أباك » (1) .
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام ، يحفظون حقوق وحدود المسلمين قولاً وعملاً وبصورة دائمة ، كما كانوا يراعون عزتهم واحترامهم في جميع المواقع ويبتعدون عن أصغر عمل يمكن أن يشم منه الذلة لأي مسلم .
وركب الإمام علي عليه السلام يوماً فمشى معه قوم فقال عليه السلام : « أما علمتم أن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي إنصرفوا » (2) .
لم يكن نبي الإسلام والأئمة الطاهرون عليهم السلام يحترمون الناس ويكرمونهم فحسب بل إنهم كانوا ، ضمن روايات عديدة ، يلفتون نظر أتباعهم بالإهتمام لهذا الواجب العائلي والإجتماعي الكبير ، ويذكرونهم بلزوم احترام الصغار والرجال والشيوخ .
وهنا نشير كنموذج ، إلى رواية حول كل موضوع :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تحقرن أحداً من المسلمين فإن صغيرهم عند الله كبير » (3) .
____________
(1) مجلة الهادي السنة الثانية العدد 1 ص 23 .
(2) تحف العقول ـ ص 209 .
(3) مجموعة ورام ج 1 ص 31 .
________________________________________
( 24 )
احترام الشباب :
وعنه صلى الله عليه وآله : « أوصيكم بالشبان خيراً » (1) .
عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : « من أتاه أخوه المسلم فأكرمه فإنما أكرم الله عز وجل » (2) .
تكريم الشيوخ :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم » (3) .
فالمحبة والصداقة رمز سعادة البشر ومفتاح حسن التفاهم بين البشر ، كما أنهما طريق لجلب محبة وصداقة الآخرين ، وتكريمهم واحترامهم ومراعاة حقوقهم الطبيعية والإجتماعية .
إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تمكن بقوة الإيمان ، أن يؤلف بين قلوب الناس المتفرقين ، وأن يجعل بين الأعداء مودة فيصبحون أصدقاء واُخوة ، ويمتلئ المجتمع بالتالي بالعطف والمحبة . وقد جاء في القرآن الكريم أن الاُخوة بين المسلمين نعمة إلهية ، وأنها مهمة لدرجة ذكرها الله سبحانه وتعالى كمنة منه على الناس ، حيث يقول :
( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها ) (4) .
أهمية الحب :
قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : « هل الدين إلا الحب ! ! » (5) .
____________
(1) كتاب قريش ـ ص 1 .
(2) وسائل الشيعة كتاب الأمر بالمعروف ج 4 ص 97 .
(3) الكافي ج 2 ص 165 .
(4) سورة آل عمران ؛ الآية : 103 .
(5) مجموعة ورام ـ ج 2 ص 51 .
________________________________________
( 25 )
إن العطف والمحبة ليسا فقط الوسيلة الوحيدة لتفاهم الشبان والكبار في العائلة والبلاد ، بل هما قوة عجيبة محيرة تستطيع أن تقرب جميع أبناء البشر في العالم ، وأن تؤدي إلى السلام والصفاء ، والإنسجام والتفاهم ، والأمن والاستقرار والراحة ، لجميع الشعوب والأقوام البشرية .
الدواء الشافي :
« يوجد في عالمنا اليوم قانونان يتصارعان ، قانون سفك الدماء والموت الذي يبحث يومياً عن وسائل جديدة للتخريب والهدم ، وقانون للسلام والعمل والسلامة يسعى دائماً لكشف وسائل جديدة لإنقاذ الإنسان من براثن البلايا والأخطار التي تحدق بالعالم . إن دافع الحياة والحب ، مقابل غريزة العداء ، هو منبع كبير ، فكلما تمكنا أن نحب ، فإننا نعيش في راحة وسعادة .
إن هذا الدواء ، دواء العطف والمحبة ، الذي يشفي جميع الآلام والأحزان هو وصفة وصفها الانبياء كلهم قبل قرون ، ألا يمكن تقوية هذه القوة الإعجازية التي تسبب التجاذب لدى المرأة والرجل وتبعث على الصداقة والصفاء بين أبناء البشر ؟ ألا يمكن إشاعة هذا الدواء الشافي الذي يؤدي إلى إزالة علل التفرقة والنفاق ؟ إن العقل والمنطق يحكمان علينا أن نرد بالإيجاب على هذه الأسئلة كما أن تجارب علماء النفس تؤيد ذلك ، لأن إعجاز المحبة يبرز كل يوم عملياً في مختلف المواقف أمام أنظار المحققين » (1) .
عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : « إن أهل الأرض لمرحومون ما تحابوا وأدوا الأمانة ، وعملوا الحق » (2) .
نصيحة توجهها للشباب والفتيات
أحب أن أقول لأبنائى إنه لا صلاح وحياه ولا بقاء ولا سعادة لنا جميعاً فى الدنيا والآخرة إلا إذا استمسكنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك يكون بحضور مجالس العلم ومزاحمة العلماء فى المساجد وفى التمسك بالصحبة الصالحة ... وأنصحم أيضاً بألا نقلد من يقلدون ولا نضحك مع من يضحكون ولا ندلس مع من يدلسون ولكن نعنز بهويتنا وديننا لكى نصلح الدنيا بالدين وننال رضا ربنا عز وجل
ماهى الكتب التى تنصح الشباب بقرآتها؟
أحب ان يدرس أبنائى وبناتى تاريخ الصحابة والسلف الصالح والتابعين وتابعى التابعين ومن تلاهم فى موكب الصلاح كالعز بن عبد السلام وصلاح الدين الأيوبى والصالحين فى العصر الحديث وهكذا... اما بالنسبة للكتاب فأنصحهم بكتب العقيدة للشيخ محمد الغزالى وكذلك كتب د.يوسف القرضاوى والأستاذ سيد قطب وكل هؤلاء الأعلام الذين أثروا الحياة الإسلامية بفكرهم الصحيح وعقيدتهم السليمة
وبما تنصح الآباء والأمهات عن دورهم تجاه أبنائهم؟
أقول لأولياء الأمور : دعو أبنائكم يصاحبوا الشباب الصالحين ودعوا بناتكم يصاحبن البنات الصالحات ودعوهم جميعاً يحضروا مجالس العلم ويعمروا مساجد الله وألا يخافوا عليهم من جزاء ذلك بل الخوف يكون حينما ينصرف الأبناء عن حضور مجالس العلم الذى هو فريضة على كل مسلم ومسلمة مثل الصلاة. وهناك قضية أريد ان اهمس بها أنه لا صلاح لمجتمعنا إلا بصلاح أبنائه ولندع لهذا الجيل الصالح الذى هو أفضل عند الله من الملائكة أقول لندعهم يصلحوا الدنيا والمجتمع بصلاحهم وتقواهم
أخيراً بما يجدد الإنسان إيمانه ويهذب من خلقه؟
كما قلت سابقاً بحضور مجالس العلم التى تحفها الملائكة ويغفر الله لمن شهدها او حضرها وكذلك بكثرة تلاوة كتاب الله فكما أن للشمس أشعه تصح بها الأبدان ، فإن لتلاوة القرآن وأياته أشعة تخترق القلب فتضيئه بالإيمان وتصلح ما به من عيوب وآفات
جزاكم الله خيرأ كثيراً
بارك الله فيكم ولا تنسونا من صالح دعائكم