الرحلة إلى الدارالآخرة ٣٤
قبض الأرض وطي السماء
يقبض الله تبارك وتعالى الأرض بيده يوم القيامة ويطوي
السماوات بيمينه قال تعالى: [وما قَد روا اللهَ ح ق قَدرِه والأَر ض
جميعا قَبضته يوم القيامة وال سماوا ت مطْوِيات بِيمينِه سبحانه
.{ وتعالَى ع ما يشرِ ُ كونَ] {الزمر: ٦٧
جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي » قال رسول الله
وهذا .« السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض
القبض منه جل وعلا بعدما يحشر الناس في أرض المحشر.
والملك ينقسم إلى قسمين وهما:
١- ملك حقيقي: وهو الملك لله عز وجل فله ملك ما في
السموات وما في الأرض.
٢- ملك صوري: وهو ملك الإنسان في الدنيا فإذا مات
انتهت الملكية.
دك الأرض ونسف الجبال
الأرض وما عليها من جبال راسيات إذا نفخ في الصور تدك
دكةً واحدة فتكون الجبال الراسيات رمالاً ناعمة وصوفاً خفيفاً
وتسير وتنسف ثم تكون الأرض بارزة ظاهرة لا مرتفع فيها ولا
منخفض ولا اعوجاج ولا نتوءات كما وصف كل هذا ربنا تبارك
وتعالى في كتابه العظيم.
الرحلة إلى الدار الآخرة ٣٥
تفجير البحار وتسجيرها
من أهوال يوم القيامة العظيمة أن هذه البحار الواسعة تتفجر
وتسجر وتشتعل ناراً ويرتفع منها اللهب كما قال تعالى في كتابه
العظيم: [وإِذَا البِحا ر ُف جرت] {الانفطار: ٣} وقال تعالى: [وإِذَا
البِحا ر س جرت] {التكوير: ٦} وقال تعالى: [والبحرِ المَس جورِ]
.{ {الطُّور: ٦
موران السماء وانفطارها
هذه السماء التي رفعت من غير عمد ولا ترى فيها عيباً ولا
شقوقاً تمور وتدور يوم القيامة كما يدور الرحى وتفتح وتضطرب
وتنفطر وتتشقق ويتغير لوا تارة حمراء وتارة صفراء وتارة خضراء
وتارة زرقاء كما وصف كل هذا ربنا تبارك وتعالى في كتابه
العظيم.
تكوير الشمس وخسوف القمر وتناثر النجوم
هذا الخلق البديع وهو خلق الشمس والقمر والنجوم في هذه
السماء العظيمة يحدث لها تغيرات هائلة يوم القيامة فالشمس تكور
والقمر يخسف وتجمع وترمى في البحار وتشتعل ناراً ثم ترمى في
نار جهنم لأن من الناس من يعبدها من دون الله وقد قال تعالى:
[إِن ُ كم وما تعب دونَ من دون الله حص ب جهنم أَنتم لَها وارِ دونَ]
{الأنبياء: ٩٨ } وأما النجوم التي كانت زينة السماء وهداية
المسافرين ورجوماً للشياطين فإا تنحل عقدها فتتساقط وتتناثر فلا
يبقى إلا وجهه الكريم سبحانه وتعالى.
الرحلة إلى الدارالآخرة ٣٦
خاطرة إيمانية
قال القرطبي: روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما
من س ره أن ينظر إلى يوم القيامة » : قال: قال رسول الله
فلْيقرأ [إِذَا ال شم س ُ ك ورت]، [إِذَا ال سماءُ انفَطَرت]، [إِذَا
رواه الترمذي والحاكم وأحمد، قال الألباني: «[ ال سماءُ انشقَّت
حديث صحيح.
وقد وصف ذلك اليوم العظيم في هذه الأبيات فرحم الله
كاتبها وقارئها:
مّثل لنفسك أيها المغرور
يوم القيامة والسماء تمور
إذْ ك ورت شمس النهار وُأدنيت
حتى على رأسِ العباد تسير
وإذا النجوم تساقط وتناثرت
وتب دلت بعد الضياء تدور
وإذا البحار تف جرت من خوفها
ورأيتها مثل الجحيم تفور
وإذا الجبال تقلَّعت بأصولها
فرأيتها مثل السحاب تسير
وإذا العشار تعطلت وتخ ربت
خلت الديار فما ا معمور
وإذا الوحوش لدى القيامة ُأحشرت
وتقول للأملاك أين تسير
وإذا تقاة المسلمين تزوجت
من حور عين زا ن شعور
وإذا المؤودة سئلت عن شأا
وبأي ذنب قتلها ميسور
وإذا الجليل طوى السم اء بيمينه
طي السجل كتابه المنشور
وإذا الصحائف ن شرت فتطايرت
وتكت للمؤمنين ستور
وإذا السماء تكشطت عن أهلها
ورأيت أفلاك السماء تدور
وإذا الجحيم تسعرت نيراا
فلها على أهل الذنوب زفير
وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت
لفتى على طول البلاء صبور
وإذا الجنين بأمه متعلق
يخشى القصاص وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جنينه
كيف المصر على الذنوب دهور
الرحلة إلى الدار الآخرة ٣٧
ذّلة الكّفار وهوام وحسرم ويأسهم
المتأمل في نصوص الكتاب والسنة يجد أن الأهوال والمصائب
العظيمة تترل بالكفار ارمين فإذا نفخ إسرافيل في الصور يخرجون
من قبورهم خائفين أبصارهم شاخصة وقد ُألبسوا الذل والهوان
يقصدون إلى مصدر الصوت بسرعة وقوة مثل ما كانوا يفعلونه إذا
ذهبوا إلى من يعبدوم من دون الله في الدنيا الحقيرة فيأتي هؤلاء
الكفار مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقام بالأصفاد من الأغلال
والسلاسل ويسحبون على وجوههم وعليهم اللباس من القطران
وقد علاهم عرقهم وساخ في الأرض والشمس قريبة منهم على قدر
ميل وقد أصابتهم الحسرة ودخل عليهم اليأس وأيقنوا أنَّ ذنبهم غير
مغفور وعذرهم غير مقبول ويتمنون الموت ولا موت لهم ويتمنون
الراحة ولا راحة لهم.
إحباط أعمال الكّفار
أعمال الكفار التي فيها بغي وفساد وطغيان لا يرجون الكفار
من ورائها خبر ولا ثواب وأما أعمالهم التي فيها صلة الأرحام
والصدقات والعتاق والإنفاق في سبيل الخير فيظنون أا تنفعهم ولن
تنفعهم يوم القيامة بل شبهها جل وعلا في كتابه بالسراب للظمآن
وبالريح الشديدة الباردة التي ب على الزروع المثمرة فتهلكها
وكالرماد الذي ذرته الريح الشديدة والمقصود من ذلك كله أا لا
تنفعهم أبداً فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها
قالت: يا رسول الله عبدالله بن جدعان كان في الجاهلية يصل
الرحلة إلى الدارالآخرة ٣٨
لا » : الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ فقال رسول الله
.« ينفعه إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين
تخاصم أهل النار
عندما يعاين الكفّار النار بعين اليقين وما ُأعد لهم من العذاب
فيها يمقتون أنفسهم أشد المقت ويمقتون أحبام وخلاّم في الحياة
الدنيا بل لأن كل محبة لم تقم على أساس من الإيمان تنقلب إلى
عداوة في ذلك اليوم العظيم فأهل النار يخاصم بعضهم بعضاً ويحاج
بعضهم بعضا العابدون والمعبودون والأتباع والسادة والمتبعون
والضعفاء والمتكبرون والإنسان وقرينه بل يخاصم الكافر أعضاءه من
بدنه وقد ذكر هذه المشاهد ربنا جل وعلا في كتابه العظيم وفي سنة
. سيد الأنبياء والمرسلين
الذين لا يؤدون الزكاة
جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مّثل ماله » : قال رسول الله
يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ
بلهزمتيه: يعني شدقيه ثم يقول: أنا مالك أنا كترك ثم تلا: [ولَا
يحسب ن الَّذين يبخُلونَ بِما آَتا ه م اللهُ من فَضله هو خيرا لَ هم بلْ
هو شر لَ هم سيطَ وُقونَ ما بخُلوا بِه يوم القيامة] {آل
. « { عمران: ١٨٠
وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
ما من صاحب ذهب ولا فضة ولا يؤدي منها » رسول الله
حقها إلا إذا كان يوم القيامة صّفحت له صفائح من نار فُأحمي
الرحلة إلى الدار الآخرة ٣٩
عليها في نار جهنم فيكوى ا جنبه وجبينه وظهره كلما بردت
ُأعيدت عليه يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين
.« العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار... الحديث
الرحلة إلى الدارالآخرة ٤٠
المتكبرون
عندما يبعث الله العباد يحشر المتكبرون في صورة مهينة ذليلة
جاء في سنن الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة في » : قال رسول الله
رواه الترمذي وقال « صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان
الألباني: إسناده حسن والذر صغار النمل وصغار النمل لا يعبأ به
الناس فيطؤونه بأرجلهم وهم لا يشعرون.
ذنوب لا يكلم الله أصحاا ولا يزكيهم
جاءت نصوص كثيرة ترهب من ذنوب توعد الله من ارتكبها
بأن لا يكلمه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم فمن هؤلاء:
١- الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب وهم الأحبار
والرهبان والعلماء الذين يكتمون العلم إرضاءً للحكّام أو تحقيقاً
لمصلحة أو طلباً لعرض دنيوي.
٢- العاق لوالديه.
٣- المسبل إزاره.
٤- المنفق سلعته بالحلف الكاذب.
٥- المنان.
٦- الحلف بالله لاقتطاع مال امرئ مسلم.
٧- الشيخ الزاني.
٨- الملك الكذّاب.
٩- العائل المستكبر.
١٠ - الديوث.
١١ - المرأة المشبهة بالرجال.
الرحلة إلى الدار الآخرة ٤١
١٢ - مانع ابن السبيل فضل ماء عنده.
الأثرياء المنعمون
الذين يركنون إلى الدنيا ويطمئنون إليها ويكثرون من التمتع
بنعيمها يضيق عليهم يوم القيامة.
جاء في سنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم أن
كف عنا جشاءك فإن أكثرهم » : قال لأحد أصحابه الرسول
قال الألباني: حديث « شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة
حسن.
وجاء في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال
إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من » : رسول الله
أعطاه الله تعالى خيراً فنفخ فيه بيمينه وشماله وبين يديه وورائه
.« وعمل فيه خيراً
وجاء في سنن ابن ماجة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال
الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة إلا من قال » رسول الله
قال الألباني: حسن صحيح. .« بالمال هكذا وهكذا وكسبه طيب
فضيحة الغادر
إذا » : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع كل غادر لواء فقيل:
رواه مسلم. والغادر: الذي يواعد على « هذه غدرة فلان ابن فلان
أمر ولا يفي به. واللواء: الراية العظيمة وتجعل هذه الراية عند
مؤخرته كما في صحيح مسلم.
الرحلة إلى الدارالآخرة ٤٢
الغلول
الغلول: الأخذ من الغنيمة على وجه الخفية.
وهذا ذنب يخفي تحته شيئ من الطمع والأثرة وقد توعد الله
تبارك وتعالى الغال بفضحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، قال
الله تعالى: [ومن يغُللْ يأْت بِما غَلَّ يوم القيامة ُث م توفَّى ُ كلُّ نفْسٍ
.{ ما كَسبت و هم لَا يظْلَ مونَ] {آل عمران: ١٦١
غاصب الأرض
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى » :
رواه البخاري. « سبع أرضين
ذو الوجهين
شر الناس يوم القيامة المتلون الذي لا يثبت على حال واحدة
وموقف واحد فيأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.
روى البخاري في الأدب المفرد وغيره عن عمار بن ياسر
من كان له وجهان في » : رضي الله عنه قال: قال رسول الله
.« الدنيا كان له لسان من نار يوم القيامة
الحاكم الذي يحتجب عن رعيته
روى أبو داود وابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح عن أبي
من ولي من أمور » : مريم الأزدي قال: قال رسول الله
المسلمين شيئاً فاحتجب دون خلتهم وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم
.« احتجب الله عنه يوم القيامة دون خلته وحاجته وفاقته وفقره