القواعد التي يحاسب العباد على أساسها
لو عذب الله جميع خلقه لم يكن ظالماً لهم لأم عبيده وملكه
ويتصرف في ملكه كيف يشاء ولكن الحق تبارك وتعالى يحكم بين
عباده في محاكمة عادلة لم يشهد لها مثيل والقواعد التي يحاسب
العباد على أساسها هي:
الرحلة إلى الدار الآخرة ٥١
١- العدل التام الذي لا يشوبه ظلم.
٢- لا يؤخذ أحد بجريرة غيره فكل نفس مأخوذة بجرمها
وإثمها والإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من الذنوب وإثم من أضلهم
بقوله وفعله كما أن دعاة ا ُ لهدى يؤجرون.
٣- اطلاع العباد على ما قدموه من أعمال.
٤- مضاعفة الحسنات دون السيئات.
٥- إقامة الشهود على الكفّار والمنافقين.
ما يسأل عنه العباد
أعظم ما يسأل عنه الآلهة التي كانوا يعبدوا وعن إجابتهم
المرسلين وعن أعمالهم في الدنيا والعهود والمواثيق والأسماع
والأبصار والأفئدة فيكون الذي يسأل عنه العباد:
١- الكفر والشرك.
٢- ما عمله في دنياه.
٣- النعيم الذي يتمتع به في دنياه.
٤- العهود والمواثيق المشروعة التي بين العباد فإن الله سائل
العبد عن الوفاء به.
٥- السمع والبصر والفؤاد.
أول ما يحاسب عليه العبد
أول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله تبارك وتعالى: الصلاة
وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الناس: الدماء.
الرحلة إلى الدارالآخرة ٥٢
أنواع الحساب
بعض العباد يدخلون الجنة بغير حساب، ومن العباد من
يحاسبون ويتفاوت حسام يوم القيامة وهم على نوعين:
١- الحساب العسير: وهم الذين أشركوا بالله وكفروا به
وبعض عصاة الموحدين يطول حسام ويعسر بسبب كثرة
الذنوب.
٢- الحساب اليسير: وهم الذين لا يناقشون الحساب ولا
يدقق عليهم وإنما تعرض عليهم ذنوم ثم يتجاوز لهم عنها.
ختام مشهد الحساب
في ختام مشهد الحساب يعطى كل عبد كتابه المشتمل على
سجل كامل لأعماله التي عملها في الحياة الدنيا وتختلف الطريقة التي
يؤتى ا العباد كتبهم.
فأما المؤمن: يؤتى كتابه بيمينه من أمامه فيحاسب حساباً
يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً رافعاً صوته بفوزه.
فأما الكافر والمنافق وأهل الضلال: فإم يؤتون كتبهم
بشمالهم من وراء ظهورهم وعند ذلك يدعو الكافر بالويل والثبور.
اقتصاص المظالم بين الخلق
يقتص الحكم العدل يوم القيامة للمظلوم من ظالمه حتى لا يبقى
لأحد عند أحد مظلمة حتى الحيوان يقتص لبعضه من بعض.
الرحلة إلى الدار الآخرة ٥٣
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
لتؤد ّ ن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة » : قال الله
.« الجلحاء من الشاة القرناء
كيف يكون الاقتصاص يوم القيامة ؟
يوم القيامة رأس مال الإنسان حسناته فإذا كانت عليه مظالم
للعباد فإم يأخذون من حسناته بقدر ما ظلمهم فإن لم يكن له
حسنات أو فنيت حسناته فإنه يؤخذ من سيئام فتطرح فوق
ظهره.
جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو » : قال رسول الله
شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان
له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن حسنات أخذ
.« من سيئات صاحبه فحمل عليه
عظم شأن الدماء
من أعظم الأمور عند الله أن يسفك العباد بعضهم دم بعض
في غير الطريق الشرعي الذي شرعه الله تبارك وتعالى.
جاء في سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه عن ابن عباس
يجيء المقتول بالقاتل » : رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً فيقول: يا
.« رب سل هذا فيم قتلني؟ حتى يدنيه من العرش
الرحلة إلى الدارالآخرة ٥٤
وجاء في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبدالله بن
أول ما يقضى بين الناس » : قال مسعود رضي الله عنه أن النبي
.« يوم القيامة في الدماء
متى يقتص للمؤمنين بعضهم من بعض؟
جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا » : قال أن رسول الله
بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا
حتى إذا نقُّوا و هذِّبوا ُأذن لهم بدخول الجنة فوالذي نفس محمد
.« بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمترله كان في الدنيا
الميزان
دلت النصوص على أن الميزان ميزان حقيقي لا يقدر قدره إلا
الله تعالى وهو ميزان دقيق ولا يزيد ولا ينقص.
روى الحاكم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي
يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض » : قال
لوسعت فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى:
لمن شئت من خلقي فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق
.« عبادتك
وقد رجح ابن حجر رحمه الله أن الميزان يوم القيامة ميزان
ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله لأن » : واحد وقال رحمه الله
.« أحوال القيامة لا تكيف بأحوال الدنيا
الرحلة إلى الدار الآخرة ٥٥
الميزان عند أهل ال سنة والجماعة
الميزان عند أهل السنة والجماعة ميزان حقيقي توزن به أعمال
العباد وخالف في هذا المعتزلة وقلة قليلة من أهل السنة.
إذاً الميزان الذي ينصب يوم القيامة تواترت بذكره الأحاديث
وأنه ميزان حقيقي وهو ظاهر القرآن العظيم والسنة الصحيحة وقد
رد الإمام أحمد على من أنكر الميزان بأن الله تعالى ذكر الميزان في
قوله [ونض ع المَوازِين القسطَ ليومِ القيامة] {الأنبياء: ٤٧ } والنبي
رد على الله عز ذكر الميزان يوم القيامة فمن رد على النبي
وجل.
ما الذي يوزن في الميزان؟!
لعل الحق في هذه المسألة أن الذي يوزن في الميزان هو العامل
وعمله وصحائف أعماله وقد دلت على هذا النصوص الصحيحة
على أن كل واحد من هذه الثلاثة يوزن ويكون هذا مقتضى الجمع
بين الأدلة في هذه المسألة وهذه بعض الأدلة:
- دليل وزن العامل: أن عبدالله بن مسعود كانت له ساقان
: دقيقتان فجعلت الريح تلقيه فضحك القوم فقال رسول الله
.« والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من ُأحد »
كلمتان حبيبتان » : - دليل وزن الأعمال: قال رسول الله
إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله
.« وبحمده سبحان الله العظيم
.« لا إله إلا الله » - دليل وزن الصحائف: حديث البطاقة
الرحلة إلى الدارالآخرة ٥٦
الأعمال التي تثقل في الميزان
أثقل ما يوضع في الميزان هو حسن ا ُ لخلق فعن أبي الدرداء عن
إن أثقل شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة » : قال النبي
رواه الترمذي وقال: « خلق حسن وإن الله يبغض الفاحش البذيء
هذا حديث حسن صحيح.
سبحان الله وبحمده سبحان » : وكذلك مما يثقّل الميزان قول
.« الحمد لله » : وكذلك مما يثقّل الميزان قول .« الله العظيم
الحوض
في الموقف العظيم بإعطائه يكرم الله عبده ورسوله محمداً
حوضاً واسع الأرجاء ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وريحه
أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء يأتيه هذا الماء الطيب من
ترد عليه أمته فمن شرب منه ر الكوثر الذي أعطاه الله لرسوله
شربة لا يظمأ بعدها أبداً.
كل أمة تتبع الإله الذي كانت تعبده
في ختام هذا اليوم العظيم يحشر العباد إما إلى الجنة وإما إلى
النار وهما المقر الأخير الذي يصير إليه العباد جميعاً.
وفي آخر هذا اليوم يطلب من كل أمة أن تتبع الإله الذي
كانت تعبده.
فالذي كان يعبد الشمس يتبع الشمس.
والذي كان يعبد القمر يتبع القمر.
والذي كان يعبد الأصنام يتبع الأصنام.
الرحلة إلى الدار الآخرة ٥٧
والذين كانوا يعبدون فرعون يتبعونه فتسقط هذه الآلهة في
النار ويسقط عبادها وراءها في نار جهنم كما قال تعالى: [يقْ دم
.{ قَومه يوم القيامة فَأَورد ه م النار وبِئْس الوِر د المَو رو د] {هود: ٩٨
ولا يبقى إلا المؤمنون وبقايا من أهل الكتاب وفي المؤمنين
المنافقون الذين كانوا معهم في الدنيا فيأتيهم رم فيقول لهم: ما
تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا فيعرفونه بساقه عندما يكشفها لهم ويخر
المؤمنون سجداً، وأما المنافقون فلا يستطيعون فتكون ظهورهم طبقة
واحدة ويرمون في النار قال تعالى: [يوم يكْش ف عن ساقٍ ويدعونَ
إِلَى ال س جود فَلَا يستطيعونَ] {القلم: ٤٢ } وينصب الصراط ويمر
المؤمنون عليه على قدر أعمالهم ويتساقط المنافقون.
حشر الكّفار إلى النار
جاءت النصوص الكثيرة التي تصور لنا كيف يحشر الكفّار إلى
النار مع آلهتهم التي كانوا يعبدوا من دون الله عز وجل فمن ذلك:
١- أم يحشرون كقطعان الماشية جماعات جماعات وينهرون
راً.
٢- أم يحشرون إلى النار على وجوههم لا كما كانوا يمشون
في الدنيا على أرجلهم فهم يحشرون على وجوههم عمياً لا يرون
وبكماً لا يتكلمون وصماً لا يسمعون.
٣- أم يحشرون مع آلهتهم الباطلة وأعوام وأتباعهم.
٤- أم يحشرون مغلوبين مقهورين صاغرون.
٥- أم يحشرون وإذا عاينتهم النار وهم على بعد منها سمعوا
صوا وزفيرها فتصك مسامعهم وتملأ قلوم رعباً وهلعاً.
الرحلة إلى الدارالآخرة ٥٨
٦- أم يحشرون وإذا رأوا النار وعاينوا أهوالها يندمون
ويتمنون العودة إلى الدنيا كي يؤمنوا ولكن لا يجدون ذلك.
٧- أم يحشرون إلى النار ويأمرون بدخولها ويغضب الجبار
والذلة والخسارة عليهم ولا ينجو منهم أحد من الجن والإنس إلا
الأتقياء منهم.